تجرى حالياً مناقشات بين الشباب حول إنشاء كيان شبابى يمكنهم من القيام بدور مؤثر فى المجتمع من خلال اكتسابهم المعارف الإنسانية الضرورية لقيامهم بهذا الدور وتوافر الخبرات والمهارات القيادية اللازمة لممارستهم القيادة. فمصر تعيش حالياً مرحلة ثورية انتقالية بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو لم تتسلم فيها السلطةَ القوى التى قامت بالثورة وهم الشباب أساساً، ولا نتوقع أن تتحقق أهداف هذه الثورة فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية ما لم يتولى الشباب السلطة فى مصر. ولعل السؤال الجدير بالمناقشة هنا هو لماذا نجح الشباب الذين دعوا إلى ثورة 25 يناير فى تعبئة ملايين المصريين للضغط من أجل تحقيق التغيير فسقط رأس النظام دون أى تغيير جوهرى فى بنيته ومؤسساته؟ والإجابة واضحة، لأن هذا الشباب لم يكن منظماً بالقدر الكافى لمواصلة الضغط وتسلم السلطة، ولم يكن يملك البرنامج الذى يقوده إلى تحقيق التغيير المنشود، ولم يكن يملك المعارف الإنسانية المتنوعة التى تمكنه من فهم أوضاع المجتمع وإطارها الإقليمى والدولى وصياغة السياسات القادرة على التعامل مع هذا الواقع المحلى والإقليمى والدولى بكفاءة، وما لم تتوافر للشباب هذه المقومات الثلاثة؛ التنظيم والبرنامج والثقافة الإنسانية، فإنه سيبقى على هامش المجتمع رغم اهتمامه بالتغيير وتضحياته من أجل هذا التغيير، ورغم أنه القوة الوحيدة فى المجتمع المؤهلة عندما يمتلك هذه المقومات لتحقيق هذا التغيير الثورى. من هنا أهمية التخطيط لامتلاك الشباب هذه المقومات، وفى المقدمة منها الثقافة الإنسانية الرفيعة. وقد تعددت اجتهادات الشباب فى المناقشات الجارية حول إنشاء هذا الكيان، فمنهم من يرى أن يكون على شكل مفوضية للشباب مستقلة عن أجهزة الدولة وعن الأحزاب السياسية يقودها الشباب بأنفسهم، ومنهم من يرى إنشاء مجلس وطنى للشباب، ومنهم من يرى إنشاء منظمة وطنية للشباب، وهناك تفاصيل عديدة تتضمنها كل من هذه التصورات. وقد شاركت فى هذه المناقشات مع الدكتور مصطفى حجازى، المستشار السياسى لرئيس الجمهورية، وتجرى حالياً محاولة صياغة رؤية من واقع أفكار الشباب للكيان المطلوب إقامته، رؤية قابلة للتنفيذ وقادرة على تحقيق الهدف الأساسى منه، على أساس تمتع هذا الكيان بالشخصية الاعتبارية المستقلة، وأن يتولى الشباب بأنفسهم إدارة هذا الكيان بالانتخاب من بين فئات الشباب المختلفة فى المجتمع (طلاب الجامعات والمدارس - المهنيون - العمال - الفلاحون - الحرفيون - شباب الأحزاب... إلخ)، وأن يكون مهمته تثقيف الشباب من خلال برامج نوعية متعددة تشمل المعارف الإنسانية المتنوعة وتزويد الشباب بالخبرة القيادية وتنمية مهاراتهم التى تمكنهم من ممارسة القيادة علمياً، واكتسابه القدرة على العمل الجماعى وإدارة الحوار والتخطيط للنشاط وتحديد المهام وأولوياتها وفق أسلوب علمى سليم.
ويدخل فى نطاق اختصاصات هذا الكيان إدماج الشباب فى المجتمع بالانضمام -حسب رغبته- إلى المؤسسات والمنظمات الشعبية والاجتماعية والنقابية (أحزاب سياسية، نقابات مهنية وعمالية، اتحادات طلابية، مراكز الشباب). ويقوم هذا الكيان بإدارة حوار وطنى بين الشباب حول قضايا المجتمع ومشاكله ودورهم فى حلها، والأطر التى يتحرك الشباب من خلالها، ويقترح مشروعات قوانين حول القضايا ذات الصلة بالشباب، ويبدى رأيه فى مشروعات القوانين المقترحة حول قضايا الشباب. كما يقوم بدراسة أوضاع الشباب فى المجتمع ويقترح السياسات الكفيلة بالتعامل مع مشاكلهم، وإصدار وتأسيس وسائل إعلام شبابية. وتقوم أجهزة الدولة المختلفة بتقديم المعاونة اللازمة لهذا الكيان للقيام بدوره على أكمل وجه. ومن واقع متابعتى لمناقشات الشباب حول هذه الموضوعات أستطيع التأكيد على توافقهم حول عدد من المسائل الأساسية:
- الكيان الشبابى المقترح مستقل تماماً عن أجهزة الدولة وأى أطراف أخرى، ويديره الشباب أنفسهم ويتكون بالانتخاب.
- لا يمنع إنشاء هذا الكيان الشباب من إقامة مؤسسات شبابية أو منظمات شبابية أخرى يمارسون نشاطهم من خلالها ويتكامل معها هذا الكيان المقترح.
- الاهتمام لا ينصب هنا على العناصر الشبابية النشطة ولكنه يدور أساساً حول الأجيال الشبابية الحالية والعمل مع أوسع قطاع منها، لأن المسألة تتصل بمستقبل مصر وليس بحركة عدد محدود من الشباب مهما كان دوره الحالى.
- لا تستطيع مصر أن تطمئن إلى مستقبلها ولا أن تضمن لنفسها موقعاً مناسباً فى العالم المعاصر ما لم يتسلح شبابها بأدوات العصر من معارف وخبرات ومهارات.