من بين كل ما قرأت مؤخراً، لم أجد أبلغ ولا أدق فى وصف «الحالة المصرية الراهنة» من إحدى آيات الكتاب المقدس، التى بدأ بها الأستاذ مدحت بشاى مقاله أمس فى «المصرى اليوم».. تقول الآية: «هكذا لأنك فاتر، ولست بارداً ولا حاراً، أنا مزمع أن أتقيأك من فمى».
نعم، فالحالة المصرية بكل أطرافها لا تفارق هذا المثلث المدهش: الفاتر، والبارد، والحار.
فنحن أمام أفظع تنظيم بشرى عرفته الإنسانية، يقتل ويحرق ويدمر ويتآمر ويغدر بدم «بارد»، وأمام دم «حار» يراق ليلاً ونهاراً، ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن ننتهى من موكب شهيد لنلحق بمواكب شهداء آخرين تنفجر دماؤهم الزكية الحارة وتتناثر أشلاؤهم فى الصحارى والشوارع وعلى صفحات الصحف وشاشات التليفزيون، وفى مقابل الغدر الإخوانى البارد ودم الشهداء الحار، يطالعنا الأداء «الفاتر» لوزراء حكومة «الببلاوى»، الذين يتعاملون مع صراع «البارد والحار» بقلب «فاتر» ووجدان «ماسخ»، وكأن هؤلاء الوزراء مجرد عابرى طريق نشبت فيه مشاجرة بين فريقين من الناس لا يعنيان لهؤلاء الوزراء أكثر مما تعنيه مباراة كرة قدم بين فريقين «درجة تالتة» لمشاهد ملول.
خذ عندك - على سبيل المثال - وزراء المالية والتعليم العالى والاستثمار والكهرباء، وغيرهم من المحافظين، الذين لم يتقدموا خطوة واحدة فى ملف «أخونة» الجهاز التنفيذى للدولة أثناء حكم «مرسى»، وكلنا يعرف أن الإخوان خلال عام واحد دفعوا بعدة آلاف من أعضائهم للسيطرة على كل مفاصل الأجهزة التنفيذية والهيئات الاقتصادية العامة، وما زال معظم هؤلاء «الإخوان» يمارسون أحط وأخس أعمال الغدر بالشعب كله، ويعرقلون أى تقدم، ويكفى أن نعرف أن بعض رؤساء مناطق الضرائب العامة وضرائب المبيعات المنتمين علانية للإخوان قد أسندوا كل وظائف الإدارة إلى أناس مجردين من الكفاءة واستبعدوا أصحاب الاختصاص فى وظائف هامشية، وكانت النتيجة أن هذا الجيش الإخوانى الغادر الذى زرعه «مرسى» فى مفاصل الدولة والجامعات ومراكز البحوث والهيئات الاقتصادية والخدمية أوشك على تنفيذ مهمة تجهيز تربة خصبة لاندلاع الاحتجاج الفئوى فى كل مكان، حتى تختلط الأوراق وتستحيل على الجيش والشرطة إمكانية السيطرة على حالة الأمن فى البلد والتصدى للإرهاب فى آن واحد.
إن «سقوط الدولة» فى أوحال العجز والفشل أصبح قاب قوس واحد، ليس بسبب مسيرات وإرهاب الدم البارد، وليس بسبب الأرواح الحارة التى فارقتنا، ولكن بسبب الأداء الفاتر لوزراء «الببلاوى» وللمحافظين الذين ينتظرون انتهاء هذه المباراة المملة، لينتقلوا إلى مشاهدة مباراة أخرى أكثر مللاً، بينما خلايا الإخوان المنتشرة فى الجهاز التنفيذى تعمل بدأب غادر وبارد على تخريب البلد وإسقاطه وتحويل الشعب المصرى إلى عبرة لكل شعوب المنطقة.
وليس هناك حل ينقذنا من مصير مهلك غير قرار سيادى يلزم هؤلاء الوزراء والمحافظين بإعادة «جيش الموظفين الإخوانى» إلى الأماكن التى كانوا يعملون فيها قبل مجىء «مرسى» إلى الحكم.. لا نقول لكم: افصلوهم. ولا نطالب بقطع أرزاقهم، فقط ينبغى فورا إجلاؤهم من الوظائف التى احتلوها بالباطل ودون استحقاق، وإعادة الموظفين الذين طردهم الإخوان إلى مواقعهم لأنهم كانوا الأكفأ والأكثر مهنية.. كما أنهم لن يتآمروا على الشعب، ولن يسمح لهم أحد بإعادة إنتاج منظومة الفساد التى أهلكتنا أثناء حكم «مبارك».
هذا هو الحل الناجز والعادل.. وإلا سيلحقنا الطوفان.. ولن نستطيع أن نتقيأ شيئاً غير دمائنا الحارة التى ستنفجر دون رحمة تحت ضربات ميليشيات الإخوان الغادرة.