القارئ لتاريخ الإخوان والمطلع على أدبياتهم لن يندهش من قضية التخابر التى أحالها النائب العام للمحكمة والمتهم فيها أهم قيادات الإخوان وعلى رأسهم مندوبهم فى الرئاسة د. محمد مرسى فى سابقة لم تحدث فى مصر منذ عصر مينا موحد القطرين حين ولدت خريطة وطن واحد اسمه مصر لم تتغير حدوده ولم يخن قادته ولم يتجسس عليه من ائتمن على حدوده وأراضيه وأقسم يمين الولاء لشعبه ودستوره، يطل علينا التاريخ من عليائه الآن مبتسماً على سذاجتنا المفرطة غامساً ريشته فى حبر الخيانة الإخوانى مقدماً لنا وثائق أفرج عنها الإنجليز ودرسها مؤرخون كبار منهم د. رؤوف عباس وعبدالعظيم رمضان، ولأصحاب ذاكرة السمك نقدم إليهم قراءة فى فن التخابر الإخوانى المزروع على جيناتهم وحمضهم النووى.
الوفد أم القصر؟ سؤال طرح نفسه على جماعة الإخوان التى خدعت الجميع بأنها جماعة دعوية تهدف كما ادعت إلى «تربية الأمة وتزكية النفوس وتطهير الأرواح»، لم تستغرق الإجابة وقتاً طويلاً، وسرعان ما حسمت الجماعة أمرها وانحازت للقصر بل تمرغت فى بلاطه واستمتعت بنعمه وعطاياه، ولذلك نزلت ميدان السياسة بقوة فى زمن وزارة القصر محمد محمود باشا، ثم زادت حمى الإيقاع السياسى الإخوانى فى زمن وزارة على ماهر والتى ضمت ثلاثة أصدقاء لحسن البنا وهم محمد صالح حرب وزير الدفاع، وعبدالرحمن عزام وزير الأوقاف ومن بعدها الشئون الاجتماعية، وعزيز المصرى رئيس الأركان، بالطبع انتهز البنا الفرصة فتضخمت الشُّعب وتسرطنت الجوالة ولتذهب الديمقراطية والاختيار الديمقراطى الذى كان يمثله الوفد إلى الجحيم، وبالبراجماتية الانتهازية المعروفة عن الإخوان ضبط البنا بوصلته على اتجاه قبلة القصر واختار الانحياز للمحور وتناسى البنكنوت الذى كانت شركة قناة السويس قد دشنت به الجماعة فى الإسماعيلية! تنبّه الإنجليز وأجبروا الحكومة على نقل البنا لمحافظة قنا، ثم أعاده ضغط القصر إلى مكانه فلم يجد الإنجليز إلا أن يطلبوا من الحكومة القبض على البنا وعلى رفيقه السكرى ولكن سرعان ما ضغط القصر فتم الإفراج عنهما بعد 26 يوماً فقط، شعرة معاوية تلك وصراع توم وجيرى المستتر بين القصر والإنجليز على كسب وتجنيد حسن البنا جعلا الإنجليز الذين يعرفون جيداً أن تخدير المصريين بالشعارات الدينية من خلال تجار الدين هو السبيل الوحيد لاحتلال وتغييب وتحييد واغتيال هذا الوطن، جعلهم يعقدون الصفقة الشيطانية مع الإخوان، ولكن ما تلك الصفقة؟ وما تفاصيلها وخطواتها؟ سنعرفها غداً بإذن الله.