يواجه الليبراليون فى مصر اليوم تحديات كبرى سيتوقف عليها وعلى كيفية التعامل معها مستقبل الليبرالية السياسى فى الفترة المقبلة. التحدى الأول هو إعادة صناعة خطاب دستورى (أى بشأن الدستور) وسياسى ومجتمعى واضح المعالم وملتزم بمبادئ الديمقراطية والدولة المدنية ورافض للمساومة عليها، لا خوفاً من الإخوان ولا طمعاً فى دعم مؤسسة عسكرية ولا رفضاً لنتائج صندوق الانتخابات. علينا كليبراليين أن نعترف أن البعض بين صفوفنا وقع فى هذه المحاذير خلال الأشهر الماضية، والأمثلة كثيرة من الدعوة فى ٢٠١١ لتأجيل الانتخابات التشريعية خوفاً من نتائجها، مروراً باتهام ناخبى الإسلاميين بكونهم حشوداً يأتى بها السكر والزيت إلى مراكز الاقتراع، إلى عدم الاعتراض فى ٢٠١٢ على الإعلان الدستورى المكمل الذى لم يتضمن إلا مبادئ وإجراءات بالغة السلطوية. والحقيقة أن عدم تكرار الوقوع فى المحاذير السلطوية أضحى ضرورة وجودية لتمكيننا من ممارسة السياسة بجدية وفاعلية ولكى نتخلص من الصورة النمطية عن الليبرالية لدى عدد لا يستهان به من المواطنات والمواطنين باعتبارها مساومة مستمرة على الديمقراطية وممارسة لاستعلاء الشرائح العليا والوسطى فى المجتمع على القاعدة الشعبية.
التحدى الثانى هو إبعاد الليبراليين وجمهورهم عن أحزاب ومجموعات وشخصيات تسيئ توظيف مبادئ الليبرالية كالحرية والدولة المدنية والمواطنة وسيادة القانون لإنتاج خطاب سياسى متطرف لا يروج إلا لكراهية الإسلام السياسى ومعاداة أنصاره. نريد كليبراليين إنقاذ مبادئنا من هؤلاء. نريد أن نتنافس سياسياً وانتخابياً مع أحزاب وتيارات الإسلام السياسى ونقبل الاحتكام لصندوق الانتخابات، دون إلغاء أو إقصاء. نريد الحيلولة دون سيطرة الإخوان على الدولة وضمان حياد المؤسسات بمواد فى الدستور وبقوانين وبأعراف ديمقراطية ينبغى التأسيس لها فوراً، وليس بالتعويل على مؤسسة عسكرية. نريد أن نضغط على الإخوان لتقنين أوضاع الجماعة وعلى أحزاب الإسلاميين للتوقف عن الخلط المستمر بين الدين والسياسة، دون الدعوة لممارسة العنف أو لإحراق المقار. نريد الانتصار لحقوق المواطنة المتساوية وسيادة القانون ورفض التمييز بين المصريات والمصريين على أساس الانتماء الدينى، دون أن ترتكب خطيئة التمييز العكسى بمخاطبة المواطنين المسيحيين فقط والاعتماد عليهم وعلى أصواتهم فى العمل السياسى والانتخابى.
التحدى الثالث هو توحيد الصفوف تنظيمياً وسياسياً وانتخابياً والإفادة هنا من خبرات الأشهر الثمانية عشر الماضية. لن يقبل منا جمهورنا أن نستمر فى تشتتنا التنظيمى الراهن ولا أن نعجز عن صناعة مواقف من الدستور ومن مجريات السياسة متناغمة. وإن ذهبنا للانتخابات التشريعية القادمة بذات الفرقة والمناقشات البينية التى ميزت الانتخابات الماضية، أغلب الظن أن النتائج ستحمل تهميشاً قاسياً وانخفاضاً فى عدد مقاعدنا مقارنة بمجلس شعب ٢٠١٢. لا بديل عن توحيد الصف والعمل بقوة على الأرض للاستعداد للانتخابات والاختبارات السياسية التى ستحملها لنا الجمهورية الثانية.
التحدى الرابع هو الخروج من وضعية التهميش السياسى الراهنة وإعادة الليبرالية المصرية إلى مؤسسات صنع القرار. فمؤسسة الرئاسة بها ممثل لجماعة الإخوان وحزبها، ولا تمثيل يعتد به لليبراليين داخل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، ورفض من طلب منه من الليبراليين تولى منصب فى الفريق الرئاسى أو فى الحكومة الحالية. الحصيلة النهائية لكل هذا، مع غياب مجلس الشعب والتهافت المتناهى لتمثيلهم بمجلس الشورى، هى تهميش سياسى شبه كامل لنا كليبراليين وتحولنا، وكما نذكر كل يوم، إلى أهل كلام لا فعل. المطلوب الآن هو الخروج من التهميش بالضغط باتجاه إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وإيجاد تمثيل حقيقى لليبراليين بداخلها وتحديد موعد مبكر لانتخابات مجلس الشعب الجديد، والأمران يتصدران أجندة الأولويات الوطنية ويستحقان العمل على الأرض لحشد التأييد الشعبى لهما.