قبل فترة كان لدىّ اعتقاد راسخ أن هذا البلد لن توحده مرة أخرى سوى فرحة، أو حرب. رصيد الفرح قارب على النفاد، وكروت الشحن مسروقة، والشعبطة فى فريق كرة قدم سرعان ما يسقط منها الجميع على «جدور رقبتهم».. فلننسَ الفرح إذن!
هل الأمل فى الحرب؟. اللهم جنّب بلادنا الحروب، لكن ماذا فعلاً لو قامت الحرب الآن؟
حتى لو استبعدت حدوث ذلك، يجب أن تعترف أن كل ما كنت تستبعده من قبل حدث بالفعل، وأن هناك ترصداً شديداً لمصر للدرجة التى تجعل دخولها فى حرب قريبة أمراً غير مستبعد بغض النظر عن الطرف الآخر، والسؤال نعيده من جديد: ماذا لو قامت حرب الآن؟
لو قامت حرب الآن، سيكون القائد العام للجيش المصرى الذى يحارب دفاعاً عن الوطن، هو نفس الرجل الذى امتلأت حوائط مصر باتهاماته بالخيانة، وشتيمته البذيئة، وسيحارب وقتها من أجل بلده وشعبه بمن فيه هؤلاء الذين يشتمونه ويرونه خائناً. أنت لا تستظرف العقيد أحمد على، المتحدث العسكرى، الذى تمتلئ صفحته بالتخوين والشتائم، والذى يضعه الإخوان ضمن قوائم من يريدون الانتقام منهم أو محاكمتهم، لكنك فى الغالب لا تعرف أنه ضابط مشاة، والمشاة هى قلب الجيش، وضابط المشاة هو الضابط الجاهز دائماً للاشتباك المباشر، والتضحية بحياته، ولو قامت حرب الآن سيكون مطلوباً منك أن تثق فى أحمد على وبياناته. لو قامت حرب الآن، فإن العدو هو الذى سيشكك فى بيانات الجيش المصرى ويحرص على ترويج إشاعات تنال منه.. لكن هذا العدو لن يكون عدو الخارج فقط، بل سيكون موجوداً بالداخل أيضاً، ويا وجع قلب هذا البلد الذى يطعنه أبناؤه عن قصد أو جهل. لو قامت حرب الآن، فإن الإعلام كله سيتوحد خلف الجيش، لكن هناك إعلاماً آخر سيظل يذكرنا بـ«النكسة»، ويدعو لعدم تصديق إعلام العار، ومذيعيه المنافقين والفلول، فتكون النتيجة أن أى كلام يقولونه عن الحرب غير مصدق، وأى بيانات يعلنونها مطعون فيها ليس من العدو فقط، بل من إعلام موجه يسيطر على شبكات التواصل الاجتماعى وتحركه دول وأجهزة مخابرات، بينما أى رجل درس الإعلام بحق يدرك أنه أكذوبة، وترس فى آلة ضخمة للحرب النفسية تخدم العدو. لو قامت حرب الآن، فالوحيد الذى سيتأثر بها هو المواطن البسيط الذى ينساه الجميع دائماً، بينما ستسافر النخب وأسرها للخارج. لو قامت الحرب الآن، فأى نقد لطريقة أداء الجيش فى الحرب ستعتبر خيانة، وسيخرج العديد من النشطاء والحقوقيين ليؤكدوا أن القبضة الأمنية للجيش تمهيد لفرض قبضته إلا الأبد، وسيقول البعض إن هذه الحرب «فوتوشوب»!!
لو قامت حرب الآن، سيتفرغ «تويتر» و«فيس بوك» لتصنيف الناس، فإن قال أحدهم «أنا مع بلدى» سيرد آخر: «مش انت اللى أيدت مرسى؟.. مش انت فلول؟ مش انت فاسد؟»، ويتفرغ البعض لتفريغ البوستات والتغريدات القديمة والمقارنة بين المواقف القديمة والمواقف الحالية ليشكك فى الجميع ويضعهم فى صورة المتلونين، وكأن الناس يجب ألا تراجع أفكارها بين الحين والآخر، وكأننا بلد لا يقبل التوبة.
لو قامت الحرب الآن، كنت أعتقد أننا سنتوحد، لكن هذا مستحيل على ما يبدو. اللهم وحّد صفوفنا من أجل بلدنا، واحفظ أولادنا، وانزع الغل والبغضاء من قلوب الجميع، واكتبنا من الشهداء لو قامت حرب الآن.