عندما ألقت وزارة الداخلية القبض على الناشط محمد عادل وقدمته للنيابة العامة بتهمة التظاهر دون تصريح مع غيره من شباب «6 أبريل» تعاملت مع الحكاية كلها بوصفها نموذجاً شديد الوضوح لفشل الحكومة الذريع فى إدارة أهم ملفات الأمن القومى.
والحقيقة أن تصرف أجهزة الأمن فى ملف «6 أبريل» -فرع «صربيا» الذى يقوده أحمد ماهر- يشبه تماماً تصرف رب أسرة اقتحم مجرمٌ عتيد بيتَه وعاث فيه تدميراً وتخريباً ثم أشعل فيه النار مستعيناً بعلبة كبريت وجدها فى البيت ذاته، وبعد انصراف المجرم سارع رب الأسرة بتقديم بلاغ يتهم فيه هذا المجرم بسرقة علبة الكبريت.
نعم، هذا بالضبط ما اقترفته أجهزة الأمن فى التعامل مع هذا الشخص المريب والغامض المدعو محمد عادل، الذى ينفذ الآن حكماً بالحبس 3 سنوات فى قضية التظاهر دون تصريح، رغم أن ملفه الأمنى متخم بجرائم وفظائع موثقة تقوده إلى عدد من المحاكمات بتهم التخابر والتجسس والتعامل المريب مع جهات وأجهزة أجنبية ضالعة فى هدم استقرار البلد. كما أن صوره التى نشرها بنفسه فى حساباته على مواقع التواصل، ويظهر فيها مرتدياً زى الجيش المصرى وحاملاً لأنواع شديدة الخطورة من البنادق الحديثة، وإجادته الفائقة المعروفة لكل المقربين منه فى استخدام هذه الأسلحة، تشير بما لا يدع مجالاً لأى شك إلى بداية الطريق لحل ألغاز قنص المتظاهرين فى ميدان التحرير وقتل عشرات الثوار بطرق شديدة الغموض قبل مجىء «مرسى» للحكم وخلال العام الذى قضيناه معه نحصى فيه جرائم قتل نشطاء معارضين للإخوان مثل «جيكا» و«كريستى» ومحمد عبدالعزيز الجندى والحسينى أبوضيف.
إن تعقُّب مسيرة هذا الشخص المولود عام 1985 فى قرية منية سمنود بمحافظة الدقهلية يشير إلى أنه عضو عامل فى جماعة الإخوان، فعمه هو الإخوانى المعروف علاء قرع، أحد العاملين الأساسيين فى مجموعة خيرت الشاطر نفسه التى تنقسم إلى ثلاث فرق أساسية: الأولى مختصة بالقرصنة الإلكترونية وإطلاق الشائعات وشن الحروب على مواقع التواصل الاجتماعى، والثانية مختصة باختراق الحركات والائتلافات الثورية والشبابية مثل «6 أبريل» و«كفاية» و«الألتراس»، والثالثة مختصة بجرائم القتل الغامض.
تعود بداية ظهور محمد عادل فهمى قرع -خريج أحد معاهد الحاسبات وتكنولوجيا المعلومات- إلى عام 2007 فى موقع «إخوان أون لاين»، حيث اشتهر بين زملائه بقدرته المذهلة على القرصنة الإلكترونية، ثم بدأت أخباره تنتشر على المواقع بعد القبض عليه عام 2008 إثر عودته من غزة التى دخلها -متباهياً- عبر الأنفاق بصحبة خليل العقيد، حارس خيرت الشاطر المشهور بأنه قنّاص محترف، وقضى محمد عادل أربعة أشهر فى السجن خرج بعدها لينضم إلى «6 أبريل» بعد أن أقنع قادتها بأنه ترك جماعة الإخوان إلى الأبد بسبب تخلى «الجماعة» عنه أثناء سجنه.
تمكن محمد عادل قبل ثورة 25 يناير من إقناع بعض نشطاء «6 أبريل» بالسفر إلى صربيا للتدريب على التغيير السلمى، وأصبح هو حلقة الوصل بين الجهات الأجنبية المموِّلة وهذه الحركة، الأمر الذى أثار شكوك طارق الخولى وبعض الأعضاء الآخرين فى الحركة، وبعد الثورة تولى مهمة التنسيق مع جماعة الإخوان، وخصوصاً مع مكتب خيرت الشاطر الذى استثمر «6 أبريل» فى التظاهر ضد المجلس العسكرى والهتاف ضد الجيش، وبعد وصول «مرسى» للحكم حرص محمد عادل على مواصلة العمل تحت قناع حركة 6 أبريل وتولى مهام شديدة الأهمية، من بينها قيادة ميليشيات هتك أعراض النساء فى «التحرير» وارتكاب جرائم فظيعة، الهدف منها تلويث سمعة الميدان والموجودين فيه.
بعد ثورة 30 يونيو ظهر محمد عادل مرة أخرى فى شهر سبتمبر الماضى ليصف الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بأنه مجرد شخص معتوه، ثم سبّ الفريق أول عبدالفتاح السيسى بأقذع الشتائم، قبل أن يختفى ليظهر مرة أخرى فى صربيا ومنها إلى تركيا ثم إلى قطر، وبمجرد عودته سافر إلى قريته ليعلن خطوبته على ابنة شقيقة مذيع «الجزيرة» الإخوانى الغامض أحمد منصور، وبعدها مباشرة تقدم بطلب للتظاهر فى ميدان التحرير وافقت عليه «الداخلية»، لتكتشف فجأة أن أفواجاً هائلة من الإخوان اندست فى المظاهرة صباح 1 ديسمبر الجارى بهدف احتلال الميدان.
هذا فقط غيض من فيض السجل السياسى الفاضح لهذا القرصان والقناص الإخوانى، الذى تحفل شهادة تحركاته الموجودة فى إدارة الجوازات بعدة سفريات مريبة إلى صربيا وتركيا وقطر قبل «30 يونيو» وبعدها، فهل نحاكمه على سرقة علبة كبريت ونترك كل هذا الخراب الذى ارتكبه فى حق الوطن والمواطنين؟