س: لماذا أصبح الدستور اليوم هو القضية الأساس التى يتعين على الأحزاب والقوى الليبرالية الاهتمام بها؟
ج: لأن الدستور هو الخطوة الكبرى القادمة التى ستحدد هوية الدولة والمجتمع وطبيعة النظام السياسى ووضعية الحريات الشخصية والسياسية. فقد أدخلت قرارات الدكتور مرسى الأخيرة تغييرات جذرية وصحيحة على المشهد السياسى بإنهائها للموقع الاستثنائى وغير الديمقراطى للمجلس العسكرى وتوسيعها لمساحات فعل وتأثير المدنيين المنتخبين فى مواجهة المكون العسكرى الأمنى الذى استندت إليه جمهورية يوليو 1952. وسيكمل الدستور بمواده تحديد مرتكزات الجمهورية الثانية وسيفتح الطريق، ما إن يعتمد فى استفتاء شعبى، لإتمام البناء المؤسسى بانتخاب برلمان جديد وبإعادة تعريف العلاقة بين السلطات العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية. ترتبط أهمية الدستور إذاً بكون مواده ستقدم لنا الإجابات عن الأسئلة المتبقية بشأن الجمهورية الثانية ونظامها السياسى ووضعية الحريات.
س: وما القضايا والنقاط التى ينبغى على الأحزاب والقوى الليبرالية التركيز عليها فى الشأن الدستورى؟
ج: من جهة أولى، لا بديل عن مواصلة الضغط بهدف إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية وتحقيق توازن مجتمعى وسياسى يباعد بيننا وبين خطر دستور الفصيل الواحد. وبعيداً عن الجدل القانونى ليس ضغط الليبراليين هنا بمصادرة غير ديمقراطية على جمعية تشكلت بالانتخاب، بل هو ترجمة لرغبة ديمقراطية تقضى بالكتابة التوافقية للدساتير. من جهة ثانية، وفى ما خص مواد الدستور، يحتاج الليبراليون للدفاع باستماتة عن وجود مواد تضمن الحريات الشخصية والسياسية والمدنية دون قيود وتحمى حقوق الإنسان، وكذلك تبنّى صياغة مواد واضحة تصون استقلال وحيادية مؤسسات الدولة والوظيفة العامة. من جهة ثالثة، وأيضا فى ما خص المواد، هناك حزم المواد الخلافية المتعلقة بطبيعة النظام السياسى (رئاسى أم برلمانى) والعلاقة بين السلطات العامة والبنية المحلية وهوية النظام الاقتصادى والاجتماعى (اقتصاد سوق، قضايا العدالة الاجتماعية، حقوق المواطن الأساسية). وبشأن هذه الحزم يتعين على الليبراليين وفوراً إطلاق حوار مجتمعى واسع وترجمته لمواد ونصوص مقترحة تطرح على الرأى العام وبداخل الجمعية التأسيسية إن قُدر إعادة تشكيلها.
تبقى، من جهة رابعة، مواد الهوية كمادة الطبيعة المدنية للدولة وكون مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع وبعض النصوص التى تم تداولها إعلامياً بشأن مرجعية الأزهر النهائية. هنا دور الليبراليين هو التوافق سريعاً فيما بينهم على مقترحات بديلة ومحددة، أتصور أنها ستعمد للنص صراحة على مدنية الدولة وقاعدة المساواة دون تمييز وستحتفظ بصيغة المادة الثانية فى دستور 1971 وتضيف لها حق غير المسلمين فى الاحتكام إلى شرائعهم. المرجح أيضاً أن ترفض مسألة مرجعية الأزهر النهائية فى تفسير كل ما يرتبط بمبادئ الشريعة الإسلامية حيث إن مرجعية تفسير النصوص الدستورية والقانونية هى دوماً للجهات القضائية المختصة (المحكمة الدستورية والقضاء الإدارى).
س: وكيف يمكن لليبراليين العمل المنظم بشأن الدستور وقضاياه؟
ج: بتوظيف كافة المساحات والأدوات المتاحة لهم: الضغط سياسياً وشعبياً لإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية، إطلاق حوار مجتمعى حقيقى حول مواد ونصوص الدستور وحدود المقبول والمرفوض، البدء فى حملات توعية بالمحافظات المختلفة للتواصل مع المواطنات والمواطنين بشأن الجمعية التأسيسية ومواد الدستور، تكثيف العمل الإعلامى ومتابعة نقاشات الجمعية وصياغات المواد التى ترشح منها.