عانينا فى مصر ولعقود طويلة من استتباع المؤسسات الدينية الرسمية للرئيس وتوظيفها، طوعاً أو قسراً، لتبرير سياساته وممارساته وإحاطته بسياج من الشرعية الزائفة، وتمنينا فى أعقاب ثورة يناير أن تستقل المؤسسات الدينية كالأزهر ودار الإفتاء عن إرادة الرؤساء وتقلبات السياسة وتنتج فهماً عصرياً ومستنيراً للمبادئ والقيم الدينية ينتصر للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وحفزتنا الوثائق الرئيسية التى صدرت عن الأزهر بشأن مستقبل مصر والحريات على تمنى المزيد.
فى ضوء هذا، أدعو مؤسسة الأزهر والإمام الأكبر إلى محاسبة عضو لجنة الفتوى الذى أهدر دم المتظاهرين فى 24 أغسطس وحرم التظاهر ضد رئيس الجمهورية مدعياً أن واجب المواطنين الآن هو الاصطفاف خلفه ودعمه. هذا
الرأى الكارثى الذى وظف الدين، التعويل على حديث شريف لإهدار دم المتظاهرين وتحريم الخروج على الحاكم، يتنافى بالكامل مع مبادئ الحرية وحقوق الإنسان التى يدافع عنها الأزهر كمؤسسة ولا يتسق مع فهم الأزهر المستنير للدين.
أختلف سياسياً مع الداعين لمظاهرات 24 أغسطس، فلست مع إسقاط رئيس منتخب، وأرفض الدعوة لممارسة العنف بإحراق مقار الإخوان، إلا أن حق التظاهر والاحتجاج والاعتصام السلمى للمشاركين فى 24 أغسطس لا بد أن يكفل، وحمايتهم طالما التزموا بالابتعاد عن العنف واجب الدولة، أختلف سياسياً معهم، إلا أن تكميم الأفواه ومحاولة منع احتجاجات معارضة للرئيس بإهدار الدم وتحريم التظاهر كارثة لا يمكن الصمت عنها، وإن صمتنا اليوم، ستطال ذات الآراء والفتاوى تدريجياً كل من يختلف مع الرئيس أو مع جماعته أو حزبه ونكون بذلك بالفعل فى وارد بناء ديكتاتورية جديدة بعباءة دينية.
أختلف سياسياً مع الداعين لمظاهرات 24، إلا أن حقهم فى الاحتجاج السلمى وحمايتهم لا ينبغى المساومة عليه. أختلف أيضاً سياسيا مع الرئيس، وإن أيدت قراراته التى أراها تحقق المصلحة الوطنية. ولا أريد لا لى ولا لكاتب آخر
أو إعلامى أو سياسى أو ناشط أن يمنع من التعبير العلنى عن رأيه إن بعدم نشر مقال أو بتهديد جسدى أو ببلاغات كيدية أو بإهدار دم.
أدعو الأزهر إلى التبرؤ من رأى عضو لجنته للفتوى والانتصار لحق المواطنات والمواطنين فى التظاهر السلمى دون قيود.وأدعوه إلى أن يرسل من خلال محاسبة العضو المعنى رسالة واضحة برفضه أن يوظف مجدداً فى لعبة السياسة أو يتستر على عصف بالحريات وتكميم للأفواه.