لم ينجح تنظيم الإخوان الإرهابى فى شىء خلال تاريخه كله، قدر نجاحه فى وضع الشعب المصرى كله أمام سؤال المصير: نكون.. أو لا نكون.
نعم، لم تعد المعركة بين الشعب المصرى ودولته من ناحية، وبين تنظيم الإخوان وأنصاره القتلة المأجورين من ناحية أخرى، مجرد اختلاف فى الرأى حول وثيقة دستورية، أو حول وجود هذا الشخص أو غيره فى القصر الرئاسى، أو حول طبيعة الحكم «مدنى أم عسكرى أم دينى»، ولكن المعركة تجاوزت كل هذه الأمور إلى ما هو أخطر وأعمق، حيث استيقظ المصريون من فوضى السياسة وصخب الأصوات الزاعقة فى الفضائيات على كابوس مرعب، يتمثل فى استهداف تنظيم الإخوان وأنصاره الخونة لكيان الدولة المصرية ذاته، والعمل الدءوب والممنهج والمدروس والمدعوم بأموال طائلة على هدم أهم أركان هذه الدولة تمهيداً لتفتيتها إلى إمارات أو دويلات تمزقها الحروب الداخلية ويعصف بها الفقر والفاشية المتاجرة بالدين لحساب المركز العالمى للرأسمالية المتوحشة، التى اتفقت مع هؤلاء «الكفرة بالأوطان» على إعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط بالكامل واقتسام خيراتها بينهما.
ولقد اتضح لكثيرين أن «تنظيم الإخوان» أنجز هذا الاتفاق بعد عام 2005 مباشرة، مدفوعاً بوهم متأصل بين قيادات هذا التنظيم، مؤداه أنهم يستطيعون «خداع» الشيطان الرأسمالى، وأنهم سيقطعون معه عدة أشواط فى طريق التفتيت وإعادة هيكلة المنطقة، ولكنهم سينقلبون على هذا الشيطان فى اللحظة المناسبة، وسيخرجون بالغنيمة كاملة لصالح مشروعهم التافه المعروف بـ«أستاذية العالم».
وقد فات على هؤلاء الجهلة -إذا افترضنا فيهم حسن النية- أن الطرف الأول يفهم جيداً أنهم كاذبون وغادرون، وأنهم أسرع من يخون العهد وينقض الوعد، وأن «الوحش الرأسمالى» المدجج بكل أنواع الأسلحة قادر دائماً على أن يدخل اللعبة ويخرج منها قبل أن تنقلب عليه، وأنه بارع فى اصطياد الثعالب، وأن التخريب الذى ستحدثه «اللعبة» فى المنطقة سيحتاج إلى عشرات السنوات لمجرد تعطيل آلته العمياء عن الاستمرار فى العمل.
لهذا كله أدرك الشعب المصرى أنه ليس أمام معركة سياسية عليه أن يتخذ فيها رأياً، ولكن أمام كابوس مرعب تمكن منا فى لحظة تاريخية خاطفة، كابوس إخوانى وصل إلى قمة السلطة وسيطر على أهم مفاصل الجهاز التنفيذى، وكان على مشارف هدم مؤسسة القضاء، والسيطرة على مؤسسة الأزهر، والأخطر أنه كان يتحسس الطريق بلؤم وغدر نحو مؤسسة الجيش الوطنى العريقة، بعد أن وضع كل الإعلام المستقل تحت مرمى نيران الكراهية والعنف والتخوين والتكفير، وقد ألهم الله الشعب المصرى أن يخرج فى ثورة غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى كله، ليسترد دولته من بين براثن هذا الكابوس الماسونى الكافر بالوطن.
وإذا كان الشعب المصرى قد خرج مرتين بعد ثورة 30 يونيو، مرة فى 3 يوليو ومرة فى 26 يوليو، فإن الأهم والأعظم والأكثر وعياً يتمثل فى «الخروج الحاشد» بدءاً من صباح الثلاثاء المقبل للاستفتاء على الدستور الجديد، وفى التصويت بـ«نعم» على سؤال المصير: نكون أو لا نكون. نكون دولة موحدة قوية مدنية آمنة، أو لا نكون غير حشود ذليلة تساق كالأغنام إلى خيام الإغاثة على الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، «نكون» شعباً منتجاً متحضراً، أو لا نكون غير مجموعات من الهمج المتحاربين، نكون أمة يحترمها العالم كله لأنها تملك جامعات محترمة وقضاء عادلاً وجيشاً قوياً، أو لا نكون غير شراذم متخلفة مسعورة أحرقت جامعاتها وأهانت قضاتها وأفتت باستحلال دماء جنود جيشها.
نعم للدستور.. نعم للخلاص الأخير من توابع الكابوس الإخوانى الغادر، نعم لعودة الوطن إلى مواطنيه، نعم للوحدة الوطنية، نعم لوحدة تراب الوطن وعدم التفريط فى ذرة من رماله، نعم لشوارع مصر وغيطانها ومصانعها وبيوتها ومعاملها ومساجدها وكنائسها وقد عادت إلينا: حضناً رحيماً يحمينا من فظاعة وخسة المتاجرين بالدين.. وهم فى الحقيقة أكثر أهل الأرض إهداراً لكل الشرائع السماوية والقيم الإنسانية.