«رشّاح القَلَج».. الوكيل الحصرى لتوريد مرضى الكبد للمستشفيات الحكومية
«يا أهالى البلد.. كل بيت يخزن مية شرب تكفيه لمدة يومين، لأننا هنفضى صهاريج الميه فى الرشاح علشان لقينا فيها قطط وكلاب وفيران ميتة، ويا ريت بلاش مرضى الكبد والفشل الكلوى يشربوا منها علشان خطر عليهم.. وشكرا». هذا هو النداء الذى صاحت به مكبرات الصوت بالمسجد الكبير، فى قرية القلج التابعة لمركز الخانكة بمحافظة القليوبية، لكن الغريب أن أحدا من أبناء القرية لم ينزعج، وعندما سألنا عن السبب قال أحد أبناء القرية إنه نداء مكرر يستمعون إليه مرة واحدة على الأقل أسبوعيا!
الحياة فى «القلج» تختلف كثيرا عن معظم القرى المحيطة بها، حيث يشوبها التنوع والاختلاف، فشارعها الرئيسى يمتلئ عن آخره بالورش الصناعية، لذلك يطلق عليه البعض «المنطقة الصناعية»، أما الناحية الأخرى من القرية فيعيش أبناؤها على ضفتى «الرشاح» الذى يمتلئ عن آخره بمياه الصرف الصحى والحيوانات النافقة، وتبقى الرائحة الكريهة العلامة المميزة التى تسبق الجميع لاستقبال من يدخل القرية.
أما واقعة اكتشاف حيوانات نافقة فى صهاريج المياه وتحللها ووصول بقاياها إلى المنازل عبر صنابير المياه، فهى عادة يومية تتناقلها الألسنة، بشكل مستمر، وهو ما أثبتته التقارير الصادرة عن محطة مياه سرياقوس، طبقا لما ذكره أحد العاملين فيها، الأمر الذى جعل شراء المياه من الثوابت اليومية التى لا تتوقف إلا فى حالة عدم توفر ثمنها، ما تسبب فى إصابة غالبية أبناء القرية، بما فى ذلك الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العقد الأول، بأمراض الكبد والفشل الكلوى.
ولعل مرارة شكاوى الأهالى من ملوحة المياه التى تصل إلى المنازل، والحشرات التى تقيم وسطهم صيفا وشتاء، أقل بعض الشىء من حديثهم الذى يعززه البكاء بسبب حالة أطفالهم الصحية المتردية بعد إصابتهم بالكبد والفشل الكلوى مبكرا.
«الوطن» التقت خلال جولتها بالقرية عشرات الأطفال المصابين بفيروس الكبد الوبائى، والذين تحدثوا عن رحلات التعذيب اليومية فى مستشفى الدمرداش القريبة منهم، وغيرها من المستشفيات التى يأملون فى أن يجدوا علاجهم فيها. وتحت ظل شجرة توت موجودة أمام منزله جلس أسامة الصاوى، وهو طفل لم يتجاوز عمره عشر سنوات، ذو وجه شاحب وذراعين نفدت منهما القوة، ينظر إلى الرشاح الذى يمر من أمام منزله وكأنه يلعن من أقامه فى هذا المكان ويتهمه بالتسبب فى وصول حالته الصحية إلى ما هى عليه من اعتلال، وأصرت أمه على الحديث بدلا عنه «لأنه يا قلبى مش قادر يتكلم»، لذلك قررت الابتعاد قليلا عن مكان جلوسه حتى لا يعلم حقيقة حالته الصحية، تسبقها دموعها قبل أن تتحدث وتطلب التمهل حتى تمسح دموعها، ثم تقول: «حالة أسامة متأخرة، ومش لاقيين حل، الدكاترة قالوا لنا البلهارسيا اللى فى الرشاح هى السبب، ونصحونا نسيب البيت ونسكن فى حتة تانية علشان نحافظ على عيالنا اللى فاضلين».
حديث الأم عن مرض طفلها يتخلله العديد من الشكاوى من ضعف الإمكانيات المتوافرة بالمستشفيات وسوء حالتها.
أما «خليل عيد» فهو شاب فى العقد الثالث من عمره، يعمل سائق «توك توك»، يعانى من الإصابة بفيروس «سى»، وأرجع الأطباء سبب إصابته إلى استخدام مياه الرشاح التى نتج عنها إصابته بالبلهارسيا، ويبرر استخدامه لتلك المياه بتجربة عملية أجراها أمام كاميرا «الوطن»، حيث فتح صنبور مياه عموميا ليؤكد لنا أن المياه مقطوعة فيه، وقال بعدها: «المياه الحكومية مقطوعة، ومياه الطلمبات الحبشية مالحة، لا يقوى أحد على تناولها، لذلك فالأهالى هنا لا يجدوا أمامهم سوى مياه الرشاح».
أخبار متعلقة:
«الكبد».. موت بعلم الوصول
«الوطن» فى «كفر طمبدى»: نصف أبناء القرية مصابون بالكبد
مصاب ينتظر «أمر الله»: الموت بآدمية أفضل من العيش بذل الإهمال
«سرابيوم».. قرية أرامل تودع 10 مصابين أسبوعياً