إن كان شهر رمضان الكريم قد حمل لنا قرارات صائبة لرئيس الجمهورية تمثلت فى إنهاء الوضعية الاستثنائية وغير الديمقراطية للمجلس العسكرى بإلغاء الإعلان الدستورى التكميلى وتغيير قيادات الجيش، فإنه شهد أيضا ممارسات خطيرة تهدد بالعصف بحرية التعبير عن الرأى والحريات الإعلامية كالاعتداء على صحفيين وحجب مقالات رأى وتحريك بلاغات ضد إعلاميين بتهمة إهانة الرئيس ومصادرة صحيفة وإغلاق قناة تليفزيونية بقرار إدارى. الدفاع عن الحريات والوقوف أمام خطاب تبرير العصف بالحريات الذى بدأ فى التبلور حول الرئيس موظفا تارة مقولات دينية وتارة أخرى مقولات سلطوية تقليدية يمثلان معا القضية الأولى التى تستحق أن نتحرك من أجلها.
إن كان شهر رمضان الكريم قد شهد انتزاع الرئيس لصلاحياته التنفيذية الكاملة بعد إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، فإنه وضعنا أمام رئيس أصبحت بيده أيضا السلطة التشريعية إلى أن يتم الانتهاء من كتابة الدستور وانتخاب البرلمان الجديد. القضية الثانية التى ينبغى الاهتمام بها بعد عيد الفطر المبارك هى الضغط السياسى والشعبى من أجل الخروج من مأزق الرئيس المهيمن على السلطتين التشريعية والتنفيذية بإحالة التشريع إلى جمعية الدستور التأسيسية بعد تعديل تشكيلها أو إلى مجلس الشورى بعد استكمال تشكيله بتعيين رئيس الجمهورية للثلث المتبقى من أعضائه على أن يكون من خارج أحزاب الإسلام السياسى المسيطرة على ثلثى أعضاء المجلس المنتخبين.
أما القضية الثالثة من بين قضايا ما بعد العيد فهى قضية الدستور بشقيها المتمثلين فى الموقف من التأسيسية ومن النص الدستورى الذى تعمل عليه.
فعلى الرغم من مرور الوقت دون تعديل فى تشكيل التأسيسية وبالتوازى مع هذا تأخر حكم القضاء الإدارى بشأنها إلى 24 سبتمبر، ما زال الضغط من أجل إعادة تشكيلها والاستمرار فى شرح الأسباب للرأى العام أولوية حقيقية. من جهة أخرى، آن أوان الاشتباك بفاعلية مع الصياغات الأولية لأبواب ومواد الدستور التى أنجزتها الجمعية الحالية وتوعية المصريات والمصريين بشأن ما تحمله من إيجابيات وسلبيات. والمؤكد أن هناك ما يقلق فى صياغات دستورية تتحدث عن سيادة إلهية قد يساء توظيفها للعصف بالحريات الشخصية والعامة، وتضع الأزهر كمرجعية على نحو يتجاوز هوية ومبادئ الدولة المدنية الحديثة، وتكتفى بالعموميات فى ما خص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمساواة بين المواطنات والمواطنين. ولن يتحقق الاشتباك الفعال مع هذه الصياغات لأبواب ومواد الدستور إلا من خلال العمل على الأرض فى حملات توعية للمواطن وكذلك العمل الإعلامى والسياسى المكثف.
كل عيد ومصر الحرة والمدنية والديمقراطية تقترب منا والبشرية بخير.