م الآخر| سقفة للقرد (3).. هي ناقصة؟
كان يومه الأول كقرد عصيبًا جدًا.. فلم يكن معتادًا على هذه الشخصية الجديدة؛ صحيح أنه أدى أدوارًا كثيرة في مسرح الجامعة إلا أنا لم تكن بهذه الواقعية الموجعة، من يصدق.. قرد حاصل على مؤهل عالٍ يتحمل سخافات البشر والحر الفظيع من أجل 1000 جنيه.
للحظة أحس بتفاهة المبلغ ليتخلى عن آدميته مقابلًا له، لكنه قال لنفسه (قرد قرد.. ما أنا كنت بني آدم عملت إيه؟)، ثم استسلم لأمره
كان يقرأ كثيرًا عن الكوميديا السوداء، ولأول مرة أدرك معناها الحقيقي.. ولكن!.. من هؤلاء؟ إنه يعرفهم. يا للكوميديا السوداء.. بل القاتمة السواد! إنهم أسرته الكريمة في حديقة الحيوان.. وأمام القفص مباشرة، ها هم ينظرون إليه.. ترى هل سيعرفونه؟ الأخ الأصغر يشير إليه..
الأخ: ماما.. القرد ده شبه أخويا
الأب (ناهرًا الولد): اخرس يا ولد.. ما تقولش كده على أخوك الكبير
الأم: ما تسيبه يا راجل.. والنبى كلامه صحيح.. بص شبهه إزاي! ده حتى حاطط إيده على خده زيه بالظبط
الأب: بس يا وليه بلاش كلام فارغ.. بقى ابنى أنا شبه القرد.. قال قرد قال
الأم: وإنت زعلان قوي كده ليه ده؟ إنت حتى مطلع عينه
الأخ : عشان الناس بتقول إن أخويا شبه بابا يا ماما
الأب (ثائرًا): اخرس يا ابن الكلب.. بينا على البيت.. إنتوا أصلا مالكوش الخروج يا غجر
ينظر إليهم نظرة دامعة ثم يقفز ليداعب الأطفال.. يا لها من كوميديا قاسية، خاصة عندما يحل مكان تصفيق الجمهور (سقفه للقرد).. ياللعجب!
لم تمهله الأيام لينسى هذا الموقف، فقد فوجئ بحبه الأول والوحيد (أمام قفصه) بصحبة شاب مفتول العضلات تبدو عليه علامات البله.. بل كان أقرب إلى القرود منه إلى البشر.. ابتسم وقال لنفسه..
هو: الحمد لله إن المدير ماشافوش قبلي، وإلا كانت الشغلانة طارت
جلست الفتاة أمام القفص ونظرت إليه..
الفتاة: شكله ظريف القرد ده
استشاط غضبًا وراح يقفز في جنون وكأنه قرد حقيقي..
الفتاة (في سرور): الله ده فرحان باللي أنا قلته.. ده بيفهم
اقترب من القضبان وهو لا يدرك ما يفعله..
الشاب: يا شيخة حرام عليكي.. ده باين عليه غبي قوي
لم يتمكن من كبح جماح غضبه، فعض على أسنانه
هو: أنا غبي يا حيوان
ارتعد الشاب خوفًا، وقال في دهشة: الصوت ده جاي منين؟
قالت الفتاة ضاحكة: صوت إيه بس؟
الشاب: الصوت اللي أنا سمعته
الفتاة: مفيش حد اتكلم يا ابني.. إنت بتخرف ولا إيه؟!!
قال صديقنا مقلدًا صوت الفتاة في خفوت: ده شكله أهبل
نظر إليها الشاب غاضبًا: أنا أهبل.. دي كلمة تقوليها؟
الفتاة: هو أنا قلت حاجة؟!!
قال صديقنا مقلدًا صوت الشاب - وقد أعجبته اللعبة: قليلة الأدب
كشرت الفتاة عن أنيابها: أنا قليلة الأدب؟!!.. تصدق بقى إنك أهبل فعلًا
اشتعل الموقف، فتركهما وذهب إلى ركن القفص وجلس في هدوء يتابعهما، واعتراه حزن شديد..
كيف قبل بهذه المهانة؟، كيف هانت عليه كرامته كآدمي؟، ثم عاد وابتسم في مرارة..
هو: قرد بألف جنيه واللا بني آدم شحات.. قرد قرد يا عم
وفي المساء؛ جاء المدير ليفتح باب القفص كعادته.. لكن وجهه كان يوحي بأن هناك شيئًا يخفيه
تركه إلى أن ركبا السيارة معًا، ثم سأله في فضول..
هو: في حاجة يا فندم؟!!
المدير (وهو يبتسم في خبث): لا أبدًا
هو: بس أنا حاسس إن في حاجة
المدير: لا أبدًا.. بس الغوريلا خفت الحمد لله وجايه بكره إن شاء الله
هو (في حسرة وقد أسقط في يده): يعني خلاص مفيش قرد؟
المدير: لأ طبعًا.. مين قال كده؟
هو: أومال إيه يعني؟
المدير: كل الحكاية إن أنا ماعندناش أقفاص كفاية
هو (وقد فهم المغزى): أيوه وبعدين؟
المدير: يعني.. هانضطر ندخلها معاك في القفص لحد ما ربنا يفرجها
هو: بتهرج؟!.. شكلك بتهرج، (صارخًا) إنت مجنون يا جدع إنت؟
لم يتمالك المدير نفسه من الضحك، حتى إن صوته علا وأخذ يسعل بشدة، فصرخ فيه وقد انعقد حاجباه وانكمش وجهه من الغضب..
هو: إنت بتضحك على إيه يا جدع إنت؟
المدير (مستمرًا فى الضحك): لا ولا حاجة
هو: إنت ليك خال عبيط؟
المدير (ولا يزال يضحك): اشمعنى؟
هو: عشان بيقولوا الواد بيطلع لخاله
المدير: والله دمك خفيف
هو: وإنت عقلك هوه اللي خفيف.. هاتحطوني مع الغوريلا إزاي يا غجر
المدير: إنت خايف ليه بس؟.. حاجة غريبة والله!!
هو: لأ.. تصدق معندي حق.. المفروض ارقص من الفرحة
المدير (وقد تبدلت ملامحه): بقولك إيه ماتصدعنيش..عاجبك عاجبك مش عاجبك القفص يفوت جمل
هو: قصدك إيه؟
المدير: يعني مع السلامة.. مش عايزين قرود
هو: بقى كده!! تاخدوني قرد وترموني بني آدم
المدير: مش إنت اللي جبان!.. يا عبيط دي مجرد أنثى غوريلا.. أنثى
هو: يعني هي هيفاء وهبي يا خي.. ياعم دي غوريلا يعني ممكن تفرم أهلي
المدير: ما تخافش
هو: برضه ها يقول لي ما تخافش
المدير: إحنا هانديها حقن مخدرة يا غبي.. ماتصدعنيش بقى خليني أسمع الشريط الجديد
يقوم المدير بتشغيل أحد الشرائط البذيئة، فينطلق من الكاسيت صوت بهائمي مريع، وأخد المدير يتمايل يمينًا ويسارًا في نشوة، ما دفع صديقنا إلى أن يسأله..
هو: سيادة المدير
المدير: خير
هو: إنت ليك خال عبيط؟!!