عين شمس.. هنا معسكر الإخوان
على أطراف القاهرة الشرقية يرقد حى عين شمس. بدايته جاءت مع نهاية سبعينات القرن الماضى، حينما قرر الرئيس السادات أن يقيم مساكن شعبية تستقبل بعض سكان عشوائيات القاهرة، كان الحى وقتها منقسماً إلى جزأين، الأول: عبارة عن مساحات زراعية شاسعة يعرفها الناس باسم «كفر فاروق»، نسبة إلى الملك السابق فاروق، والذى كان يملك مزرعة كبيرة للخيول لا تزال موجودة إلى الآن، والآخر: مجرد أطلال لمدينة فرعونية عرفت قديماً باسم «أون»، التى تحولت فى العصر اليونانى إلى «هليوبوليس» أو «مدينة الشمس»، ثم غزا العمران المنطقة فى الثمانينات ليقضى على «كفر فاروق»، و«مدينة الشمس»، فلا يظل بعدهما سوى حى واحد تحت اسم «عين شمس».
من عين شمس خرجت الجماعات الإسلامية المتطرفة فى التسعينات لتمارس الإرهاب ضد الدولة وشعبها، ومنها أيضاً خرج أنصار جماعة «الإخوان» مؤخراً، ليشيعوا الرعب فى نفوس الأهالى كل يوم جمعة عقب الصلاة، لتشهد شوارع أحمد عصمت وإبراهيم عبدالرازق ومصطفى حافظ مسيرات لا تنتهى، فيما يشكل ميدان الألف مسكن، صداعاً دائماً فى رأس الحكومة، تعجز عن القضاء عليه حتى هذه اللحظة.[FirstQuote]
عدا يوم الجمعة، يبدو ميدان «ألف مسكن» كسائر الميادين المصرية، تتراص فيه سيارات الأجرة بأماكن متفرقة، وتتعالى صيحات السائقين الذين ينادون على زبائنهم، وتسير السيارات بشارع جسر السويس فى سيولة مرورية.. جميع المطاعم تشهد إقبالا هادئا من الزبائن، لكن يعكر صفو الميدان أحجار الرصيف التى اقتلعها الإخوان عمدا لاستخدامها فى الاشتباكات التى تتجدد عصر كل جمعة، يدعم سوء المنظر حالة نقطة الشرطة التى أحرقها «أنصار مرسى» بعد فض اعتصامى «رابعة العدوية والنهضة» قبل أن ينوى أعضاء الجماعة الاعتصام به ليكون بديلا عن «رابعة».
على مدار الشهور الخمسة الماضية يعتبر ميدان «ألف مسكن» بؤرة ساخنة جدا فى صراع الإخوان والشرطة، يشهد الكر والفر والاشتباكات الدامية بشكل شبه أسبوعى، بجانب العبارات التى تهاجم الفريق أول عبدالفتاح السيسى ووزارة الداخلية، من التى يدونها الإخوان فى كل شارع وحارة، لكن هنا بكثافة، حتى جذوع الأشجار لم تسلم منها، إضافة إلى أبواب المحلات التى أغلقت بسبب مظاهرات الإخوان.
فى شرق الميدان جلس وليد طارق، 38 سنة، سائق بخط «مدينة نصر- ألف مسكن» فى كابينة سيارته الميكروباص منتظرا دوره فى تحميل الركاب، تحدث قائلا «ألف مسكن من أهم ميادين شرق القاهرة، لأنه يتوسط معظم أحيائها، ويمثل حلقة وصل بينها جميعا، يوجد بالميدان مواقف الحى السابع والحى الثامن وزهراء مدينة نصر وعباس العقاد، بالإضافة إلى رمسيس وعين شمس والعبور ومطار القاهرة، أى يوم جمعة مقبل علينا بيكون يوم رعب بسبب المظاهرات، اللى بتبدأ فجأة ومن أى حتة، بنكون ما عملناش حسابنا، وأول ما بتظهر فى المكان بنلاقى الشرطة محاصراها وبتضرب عليها قنابل الغاز المسيل للدموع، وبعدين يحصل تراشق بالحجارة، واحد زميلنا اتصاب بخرطوش فى وشه وهو بيهرب بعربيته الجمعة اللى فاتت، وسمعنا أن فيه عربية نص نقل اتحرقت فى شارع جسر السويس، وبعدين الشرطة ما بتفرقش بين المواطنين والمشاغبين أثناء تصديها للإخوان».
يضيف السائق فى غضب: «يوم الجمعة اللى فات كان فيه حوالى 5 آلاف واحد بييجوا من ألف مسكن وعين شمس -واضح إنهم كتير فى المنطقة دى- أنا عاوز أشوف أكل عيشى لكن الدنيا نايمة من ساعة البلد ما انقسمت، وفيه وقف حال من فترة، قبل كدا مكنش العربيات دى كلها بتقف كدا تستنى دورها فى التحميل.. يتجاذب منه أطراف الحديث زميله «سعيد محمد» قائلا «احنا مش عارفين مين صح ومين غلط، بنسمع كلام كتير بس اللى يهمنا أن البلد تمشى ونقدر ناكل عيش».
بجوار نهاية خط الترام بميدان «ألف مسكن» يقف شاب عشرينى فى كشك سجائر، فضل عدم ذكر اسمه أو التقاط أى صور له خوفا من استهدافه، قال «كنا بنستنى يوم الجمعة عشان الصلاة والروحانيات، لكن دلوقتى أستغفر الله العظيم بنكره الأحداث اللى بتحصل فيه». يضيف الشاب فى غضب بالغ «الكشك بتاعى اتكسر أكتر من مرة والبضاعة باظت، ولما قفلت الكشك وطلعت أجرى من الاشتباكات بين الشرطة والإخوان، خدت طلقة فى رجلى، إحنا متأثرين بالأحداث جدا وخصوصا كل جمعة، وعشان كدا ما بنفتحش فى اليوم ده بسبب الخراب اللى بيحصل فى الميدان».
فى زاوية متسعة من الميدان بشارع جسر السويس، جلس حسين محمد أحمد، عامل بمحل مخبوزات على سلم المحل الرخامى ينتظر الفرج، تبدو عليه علامات الضيق، ما إن تسأله عن الحالة التجارية فى المظاهرات حتى يجيب بصوت مرتفع وغاضب قائلا «وردية الليل كانت بتحقق إيراد 1500 جنيه فى 9 ساعات بس، لكن الإيراد حاليا لا يزيد على 150 جنيها، واضطررنا لتسريح 3 عمال بالوردية الليلية بسبب ضعف إقبال الزبائن».
يعتدل الرجل الأربعينى فى جلسته ثم يشير إلى المحل الخاوى من الزبائن، ويواصل حديثه بحزن «إيجار المحلات بالمنطقة يزيد على 6 آلاف جنيه، وعشان كدا فيه محلات غيّرت نشاطها، ومحلات تانية مقدرتش توفر تمن الإيجار وقفلت زى محل الفراخ اللى كان قدامنا، وصاحب الصيدلية اللى جنبنا استغنى عن صيدليين اثنين وعامل عشان مفيش شغل، الناس بتخاف تنزل ألف مسكن دلوقتى، وبرغم أن شارع جسر السويس ماشى عادى حاليا، لكن الناس بتشوف المظاهرات فيه كل يوم جمعة، وبتخاف تيجى الناحية دى».[SecondQuote]
يضيف حسين «فيه محلات كتيرة اتكسرت خلال الأحداث الماضية التى شهدت أعمال عنف كبيرة وتبادل التراشق بالحجارة، الإخوان بيطلعوا من أماكن مجاورة لميدان ألف مسكن، تحديدا من أهالى عين شمس والمطرية والسلام والمرج والنزهة ومصر الجديدة، وبيتجمعوا هنا عشان الميدان مركزى وحيوى جدا، لأنه يتوسط مناطق شارع الحجاز والزيتون والحلمية وعين شمس، وقريب من طريق صلاح سالم والعبور، وكل مكان من دول لازم تعدى على ألف مسكن، هو المدخل الرئيسى للبلد من الناحية الشرقية، الإخوان مش بيختاروا أى مكان عشوائى، لكنهم بيهتموا بالمنطقة المهمة التى تعطل البلد وتؤثر عليها».
بجوار محل أسماك شهير بشارع جسر السويس وقريب جدا من الميدان، يوجد مقر حزب الحرية والعدالة الذى تم تغطية لافتته الزرقاء العريضة بـ«علم مصر»، كان المقر مقصدا للثوار المعترضين على قرارات الرئيس المعزول محمد مرسى، حيث كانوا يهاجمونه على فترات قبل عزله فى 3 يوليو الماضى، وتبدو على واجهة المبنى من الخارج آثار قذفه بالحجارة، حيث تحطمت بعض نوافذه الزجاجية.
بجوار مقر «حزب الإخوان» يوجد محل دراجات يجلس أمامه صاحبه أحمد أبوالجوخ، 35 سنة، قائلا «المقر دا ما شفناش من وراه غير كل أذى، قبل ما محمد مرسى يمشى كان الشباب بييجوا يضربوه بالحجارة ويشتموا فى الإخوان، وطبعا كنا بنخاف على محلاتنا وبنقفل وبنمشى من المنطقة، لكن بعد عزل مرسى تبدلت الأمور ونظم الإخوان مظاهرات ضد الجيش والشرطة، وزادت بشكل أكبر بعد فض اعتصامهم برابعة العدوية والنهضة، وبلغت الأمور ذروتها بعد إعلان الجماعة عن نيتها الاعتصام فى ميدان ألف مسكن، لأنه قريب من تكتل الجماعة بمنطقة عين شمس، وكذلك لقربه من ميدان رابعة العدوية، إضافة إلى أهميته الحيوية وقربه من مناطق كثيرة، لكن الشرطة تدخلت وفضت الاعتصام قبل تنظيمه، ووقعت اشتباكات ضخمة سقط على أثرها أكثر من قتيل من الجانبين، وعشان كدا بنقفل المحل يومين فى الأسبوع، يوم الأحد لأنه إجازة معتادة لدينا، ولا نفتح المحل يوم الجمعة بسبب المظاهرات المدمرة واللى ما بيجيش من وراها إلا وقف الحال».
يشير أبوالجوخ إلى مقر الإخوان ويقول «العمارة اللى فيها مقر حزب الحرية والعدالة مملوكة بالكامل لصالح الإخوان، ومغلقة تماما حاليا، لا يزورها أى أحد من الإخوان خوفا من القبض عليه».[ThirdQuote]
أمل محمود، إحدى سكان «ألف مسكن» تقول: كل يوم جمعة يعتلى عناصر الإخوان المبانى المحيطة بأماكن الاشتباكات، ويقذفون الحجارة والمولوتوف على قوات الشرطة والأهالى المتعاونين معهم، وتحدث اشتباكات ضارية توقف الحياة تماما بالميدان، وتحوله إلى مسرح للحرب والحرائق. وتضيف أمل «يخرج الإخوان فى مسيرات حاشدة من مسجد (العرب) بعين شمس، الذى يبعد عن الميدان بمئات الأمتار، عقب صلاة كل جمعة ويتجهون إلى ميدان ألف مسكن ويسيرون فى شارع البن البرازيلى أو (الإنتاج) حتى الوصول إلى مكانهم المفضل بالميدان، وقبل الخروج منه تواجههم قوات الشرطة بقنابل الغاز المسيل للدموع، الذى يرد عليها الإخوان بإشعال النار فى إطارات السيارات، ويتحول الشارع إلى منطقة مشتعلة، وخطورة الاشتباكات بهذه المنطقة تكمن فى وجود عدد كبير من المحلات التجارية على جانبى الشارع الضيق وقد تأثر بعضها بالفعل». فى النهاية يقول عماد عبدالفتاح، صاحب محل ساعات وهدايا بشارع الإنتاج، فى حزن من جراء تحطم زجاج محله وواجهته الأمامية خلال الأحداث الأخيرة، «احنا بنقفل المحلات يوم الجمعة عشان مسيرات الإخوان اللى بتبدأ بعد الصلاة وبتتحرك من مسجد العرب ومنطقة إبراهيم عبدالرازق بعين شمس، وقفلت المحل يوم الجمعة جيت لقيته كدا متكسر زى ما انت شايف، دا احنا كدا الحمد لله كويسين، دا فيه محلات تانية بتغير زجاج كل أسبوع بسبب التكسير».
أخبار متعلقة
المنطقة للجميع.. إسلاميون وأقباط وإخوان ومسجلون خطر
المساجد.. نقطة انطلاق «الإخوان» للتظاهر والاعتداء على الأئمة
الشوارع.. «ساحات حرب» وشاهدة على «أكذوبة السلمية»
«القوصى»: أحد قادة الجماعة الإسلامية كان «تاجر مخدرات» وآخر مات «مدمناً»
«المساكن».. سكان على كل شكل ولون.. والمعاناة «قاسم مشترك»
أقباط: يعاقبوننا على «30 يونيو».. والرب يحمينا
الجماعة الإسلامية تستعيد تاريخ «الصدام والدم»
أرض الفراعنة تتحول إلى «مرتع» لـ«أنصار المعزول»
باحث فى شئون الحركات الإسلامية: شباب الإخوان وقود العنف فى المنطقة