لم يعد أمامى غير أن أخاطب هذا الجهاز الوطنى العظيم، بعد أن وقفت كل أجهزة الدولة الأخرى عاجزة حتى عن فهم ما يدور فى بعض الشركات الخاصة المملوكة لشركات أمريكية وقطرية وتركية تعمل فى مصر.. ولعبت «المصلحة» الخاصة لبعض المسئولين فى الجهاز التنفيذى دوراً فى التغاضى عما يحدث رغم فظاعته، فبعض هذه الشركات تمهد الأوضاع فى مصر منذ شهور لإرغام عمالها المصريين على التظاهر والاعتصام والإضراب، حتى يختلط التظاهر الفئوى والاحتجاجات العمالية مع مظاهرات وتفجيرات جماعة الإخوان الماسونية الغادرة.. وتكون النتيجة الحتمية هى إجهاد الدولة وإرهاق أجهزتها الأمنية، تمهيداً لسقوطها المنتظر على أيدى هؤلاء المجرمين الخونة.
وإليكم هذا النموذج الفاضح لما يدور فى مصر، وهو نموذج يتجسد فى «شركة كارجيل» الأمريكية، عملاق تجارة وتصنيع السلع الزراعية والمنتجات الغذائية حول العالم، فقد اشترت هذه الشركة قبل أكثر من عشر سنوات الشركة الوطنية المصرية للزيوت النباتية فى مدينة برج العرب، واحتالت كل هذه المدة لتتهرب من دفع الضرائب، أو توزيع أرباح على العمال، وبأساليب نعلمها جيداً، تمكنت من التعاقد مع وزارة التموين على توريد 40٪ من زيت التموين الذى تصنعه من عادم الزيوت النقية الذى تصدره لأوروبا.
بعد هذا النهش الرأسمالى المنظم لاقتصادنا الوطنى، لجأت «كارجيل» الأمريكية بعد ثورة 30 يونيو إلى استخدام فرعها فى مصر فى لعبة شديدة الخطورة، فقد سحبت مديرها الأمريكى الأصل، ودفعت برجل آخر مصرى الأصل، أمريكى الجنسية، ليكون مسئولاً عنها، ومنذ اللحظة الأولى التى وصل فيها هذا المصرى «المتأمرك» شعر العمال، بسبب معاملته الجافة والمهينة، بأنهم يتحولون بالتدريج من مواطنين فى بلدهم إلى عبيد فى مستعمرة أمريكية.
كان العمال ولجنتهم النقابية قد توصلوا إلى اتفاق موثق فى وزارة القوى العاملة مع المدير الأمريكى، حول حقهم فى الحصول على نسبة من الأرباح، وعلى حقهم فى التثبيت والتأمين الصحى والاجتماعى، خصوصاً للمعاقين الذين يمثلون 5٪ من جملة العمال.. ومع مجىء «المتأمرك» فوجئوا بالتراجع عن كل بنود الاتفاق، باستثناء بند توزيع الأرباح بنسبة 70٪ للإدارة و30٪ فقط للعمال.. وعندما اعترضوا لجأ هذا المدير إلى التعاقد مع شركة أمن خاصة «مملوكة للواء سابق» اقتحم أفرادها الشركة بالكلاب المفترسة وجمعوا العمال فى طابور مهين، بعد أن أفهموهم أن هؤلاء الوحوش تابعون للفرقة «777» بالقوات المسلحة المصرية.
بعد ذلك تصاعدت أعمال التآمر، فتحت يدى وثائق تثبت تعمد المدير المصرى الأمريكى اتخاذ إجراءات غير قانونية مع العمال ولجنتهم النقابية، من بينها إرغامهم على إجازات مفتوحة خصماً من رصيدهم السنوى وتوقيع جزاءات عليهم، وكان الأخطر من كل ذلك هو إبلاغ جهاز أمن الدولة بأن هؤلاء العمال ينتمون إلى جماعة الإخوان الإرهابية، وهو الأمر الذى حقق فيه اللواء ناصر العبد مدير مباحث الإسكندرية، وانتهى إلى أنه بلاغ كيدى وغير أمين بالمرة.
المريب أن المدير «المتأمرك» بعد أن انكشفت حيلته الفاشية، لجأ إلى التصعيد الصريح: حيث قام بفصل 25 عاملاً ليلة إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور، وقبل احتفالات 25 يناير بيومين قام بفصل 16 آخرين، ثم فصل يوم الخميس الماضى 10 آخرين، من بينهم المعاقون، وخلال ذلك كله اكتشف العمال أنه يسعى عن طريق وزارة الاستثمار إلى تغيير اسم الشركة وترخيصها باسم جديد، حتى يتمكن من التخلص من كل العمال فى ضربة واحدة.. ويحصل على إعفاء ضريبى جديد لمدة عشر سنوات أخرى.
هل تعرفون ما الذى فعلته «كارجيل» الأمريكية فى «فنزويلا» لكى تقضى على رئيسها الوطنى العظيم هوجو شافيز؟ لقد فعلت كل هذه الألاعيب ذاتها، ولكن شافيز كان أكثر وعياً فقام على الفور بتأميم «كارجيل» وطرد موظفيها الأمريكان فى مارس 2009؟ فهل تجرؤ الدولة المصرية حالياً على مجرد التدخل لوقف هذه المؤامرة الإرهابية التى تقودها شركات أمريكا فى بلدنا؟