خرج «السيسى» والجيش فى 30 يونيو لتنفيذ أمر شعبى وإرادة وطنية: لا نريد «مرسى» والإخوان!.. كان الهتاف واحداً فى كل الميادين: انزل يا سيسى..!.. إذن، فقد أرادها المصريون بصيغة «الأمر» وليس الرجاء.. ففى الذهنية التاريخية ثابت واحد فى علاقة الطرفين «الجيش جيش الشعب.. جيشنا ليس مرتزقة.. ولا هو خادم لمن يحكم.. فكيف يتخلى عنا فى مأزق وطنى، ومحنة كبرى تهدد الأمة كلها»؟!
من هذه المساحة.. يمكننا مناقشة المرحلة الجديدة فى العلاقة بين الطرفين -الشعب والجيش- لا سيما عقب ترشح «السيسى» للرئاسة، والذى بات مرجحاً إلى حد اليقين.. فإذا كان «الشعب» صاحب الدعوة المفتوحة لـ«جيشه» بالتدخل للإطاحة بالإخوان، فإن هذه الدعوة ليست تفويضاً على بياض بـ«عسكرة مصر» مرة أخرى.. لذا فقد أخطأ المجلس العسكرى، حين تعجل فى إصدار بيان الأسبوع الماضى بتأييد ترشح «قائده» العام للرئاسة.. وتلك هى إحدى آفات العقلية العسكرية فى مصر.. ضابط الجيش عندنا مواطن فوق العادة فى عيون الناس.. غير أنه لا يقنع دائماً بمهمته السامية فى حماية الأمن القومى.. هو ينظر بعين إلى دوره ومميزاته.. وبعين أخرى إلى «السياسة والحكم».. وهما لا يستويان..!
لا يريد معظم العسكريين الاقتناع بأن ثورة 30 يونيو كانت معركة «الشعب» بمساعدة «صديق».. الصديق هو الجيش.. والشعب اختار ودفع، وسيدفع الثمن على مدى سنوات لا يعلم طولها وسوادها غير الله عز وجل.. ولا يريد بعض العسكريين الاقتناع بأن «معركة الشعب» ليست مع «الإخوان» وحدهم، وإنما ضد أمريكا والغرب وتركيا وقطر وحماس و«ثعابين» كثيرة، تتحين الفرصة لابتلاع مصر كلها..!.. لذا لم يفهم العسكريون رسالة الشعب بالخروج الكاسح يوم 25 يناير الماضى للمطالبة بترشح السيسى.. كان «الشعب» يقول فى الميادين: ثورة 30 يونيو هى ثورتى، واليوم أستكملها.. كان «الشعب» يقول أيضاً: السيسى لى، وليس لأحد غيرى.. نريده رئيساً، وليس قائداً عسكرياً.. الجيش به قادة كثيرون.. أما مصر فليس لها سواه رئيساً..!
الشعب اختار وسيدفع الثمن.. فلماذا لا يبتعد العسكريون و«حَمَلة المباخر» عن «السيسى»؟!.. لماذا لا يتركونه هو والشعب فى معركة تحديد المصير؟!.. الشعب أقوى من الجيش.. وهو الذى صنع لـ«جيشه» درعاً وحصناً منيعاً فى الميادين.. ولولاه لأكلت الذئاب مصر بجيشها وشرطتها.. الشعب أطاح بـ«الإخوان» واختار «السيسى».. اتركوه «يفصّل بدلة مدنية أنيقة للسيسى»، ثم يضعه على مقعد الرئاسة.. ففى ذلك رد شعبى حاسم على المشككين، واتهامات «الانقلاب».. فكلما ابتعد الجيش عن الأمر واقترب المواطن البسيط.. تلاشت دعاوى ومزاعم الانقلاب و«عسكرة مصر» وازدادت قدرتنا على مواجهة المؤامرات والخصوم والأعداء..!
لا نريد مستشارين لـ«السيسى» من العسكريين -حاليين أو سابقين- ولا نريد وزراء ولا محافظين من الجيش.. ليس لعداء معهم، وإنما لـ«مدننة مصر».. نريد «السيسى» رئيساً يحتمى بالشعب، وليس بالبنادق والدبابات. نريده يتدثر بنا من «برد وأعاصير السياسة والحكم»، وليس بالخوذة أو بالطائرات.. نريد أن «نمدنن السيسى» -نجعله مدنياً- ولا «يعسكر الجيش» مصر، بدعوى أن الرئيس كان منه.. لاحظوا. أقول «كان منه».. لأن «السيسى» ينبغى أن يكون مصرياً عمل فى «الجيش».. ثم تركه، وتولى «وظيفة رئيس مصر»..!
«مدننة السيسى» مهمة الشعب المصرى.. بشرط أن يمتنع «الوسطاء»، وتذكروا أن «محمد مرسى» فشل من يومه الأول، لأنه اختار «أهله وعشيرته»، ولم يصبح رئيساً لكل المصريين -مع الفارق طبعاً بين الجيش والإخوان-، غير أن «السيسى» لن ينجح إلا إذا وقف مطيعاً أمام «ترزى الشعب» ليأخذ مقاساته بدقة.. ثم «يرتدى البدلة المدنية»، وينسى تماماً ما تعلمه فى الجيش.. فلا يليق بالشعب المصرى بعد هذه المعاناة أن يأمره الرئيس.. فيقول «سمعاً وطاعة»..!