م الآخر| دولة الغريب (5).. رحلة النجاة
يحاول أبويوسف، أن يأخذ معه بقايا دولته من أوراق وأثار وجنود، ويقول في جنوده، إن أمركم أمر المسلمين الأوائل، جاءوا غرباء من المشرق والآن يخرجون غرباء من المغرب إلى المشرق؛ لإعادة فتح بلاد الإسلام بعد أن سيطر عليها الفساد والقرامطة وقطعوا طريق الحج.. سنعيد للإسلام العدل والتسامح وسوف نبني دولتنا على أسس الإسلام الصحيح.
وكما قال رسول الله، صل الله عليه وسلم، "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا، فطوبى للغرباء".. إن إدريس الأول جاء إلى المغرب لإقامة دولته الأولى، لم يأتي بقوة السلاح بل جاء بقوة العلم والدين، فاستطاع أن يقف أمام الجميع.. إن السلاح الأقوى ليس السيوف، ولكن سلاحنا الأقوى هو الأخلاق التي تسمو بالدولة.
وكذلك عبدالرحمن الداخل، فاتح الأندلس وصقر قريش، الأمير الأموي ابن المرأة الأمازيغية، الذي جاء وحيدًا فأنشأ دولته على مبادئ وأسس الإسلام، ولكن دائمًا تأتي أجيال تضيع ما فعله الأجداد، حيث استطاع تحقيق النبؤة التي تقول أن الدولة الأموية تغرب في الشرق فتشرق في الغرب، ويجب عند غروب شمس دولتنا في الغرب أن تشرق في الشرق.
جهزت السفينة بالجنود والرجال، على رأسهم القائد أبويوسف بن يعقوب بن عماد، وضمت الحملة جنود من البربر والعرب، تفقد بن يعقوب السفينة والجنود، ودعا الله أن ينال النصر أو الشهادة.. كان مشتاقًا لزيارة سيد الخلق "صل الله عليه وسلم"، يتذكر والدته التي قتلها القرامطة أثناء رحلة الحج، يتذكر مدى شوقها للأراضي المقدسة والغدر التي شاهدته قبل أن يقتلها القرامطة.
إنهم لا يفرقون بين النساء والرجال ولا بين الشيوخ والأطفال.. وكان بن يعقوب قبل ذلك، يعيش كزاهد وحافظ لكتاب الله، وكان ينوي أن يعتزل الحرب ويتفرغ للتجارة، لولا ما حدث لوالدته والحجاج المسلمين.. إن حياته خلفه لا يريد منها غير رضا الله وزيارة حبيبه ونبيه.
كان بن يعقوب دائمًا ما يأتي له إحساس أنه يذهب إلى قدره، وأنه مسير لا مخير، وأن خطواته معدودة وله دور حتى لو كان صغير يجب أن يؤديه.. كان يشعر أنه قد يكون أداة من أدوات الإسلام، للوقوف أمام أعداء المسلمين وحماية بيت الله المقدس.