مع بداية القرن الماضي أدركت إدارة الدولة المصرية أهمية البحث العلمي ودوره في في خدمة المجتمع فبدأت في وضع الخطط لإنشاء مراكز للأبحاث العلمية وكان مركز البحوث الفلكية والچيوفيزياقية هو أول مركز بحثي تم إنشاؤه في تلك الفترة وفي الثلاثينيات ظهرت فكرة انشاء مركز بحثي متعدد التخصصات وصدر مرسوم ملكي بإنشاء مجلس فؤاد الاول للأبحاث العلمية والذي تحول بعد ذلك الي المركز القومي للبحوث وتم افتتاحه عام الف وتسعمائة وستة وخمسين وتلاه المركز القومي للبحوث الاجتماعية ثم توالي انشاء مراكز بحثية اخري خلال النصف الثاني من القرن الماضي مثل هيئة الطاقة الذرية و مركز البحوث الزراعية ومركز بحوث المياه والإسكان وغيرها حتي وصل العدد الان الي اكثر من أربعين مركزا بحثيا كبيرا .
ولكن المتابع لأوضاع هذه المراكز لابد وان يلاحظ انها تعاني من مشاكل جسيمة فهي مبعثرة علي الوزارات المختلفة ولم يعد هناك وزارة الا ويتبعها مركزا بحثيا ومع الأسف لا يوجد اي تنسيق او تعاون حقيقي بين تلك المراكز رغم كل الجهود التي بذلت في هذا الاتجاه حتي وصل الحال الي تكرار الأبحاث والخطط البحثية والدراسات والمشاريع العلمية التي يقوم بها الباحثين مع تكرار شراء الأجهزة مما تسبب في اهدار كبير للمال العام.
ولجهود الباحثين والعلماء و كل هَذَا بالاضافة للمشاكل الإدارية والمالية التي تواجهها تلك المراكز فالنظم الإدارية واللوائح والقوانين ألمنظمه لم تتغير علي مدار سنوات عديدة والميزانية المخصصة للإنفاق علي شراء الأجهزة والمعدات والكيماويات وغيرها ضعيفة للغاية وهكذا اصبح وضع تلك المراكز خطيرا ويمثل ضوء احمر ينذر بمشاكل عديدة لمنظومة البحث العلمي في مصر .
ولا شك ونحن الان نستعد لبناء الدولة الجديدة خاصة وبعد زيادة ميزانية البحث العلمي في الدستور الجديد فإننا لابد وان نعيد النظر في وضع مراكز البحوث وعلينا ان نعيد هيكلتها ولعل فكرة ضم جميع تلك المراكز جميعا تحت مظلة واحدة هو الافضل في المرحلة القادمة وقد يكون ذلك بتحويل وزارة الدولة للبحث العلمي الي وزارة العلوم والتكنولوجيا بحيث تنضم لها جميع مراكز الأبحاث سواء كانت علمية او اجتماعية او غيرها فالجميع يتحدثون لغة واحدة ويجمعهم فكر واحدهو الفكر البحثي والعلمي.
وهذا النظام سوف يساعد علي احداث انطلاقة مأمولة للبحث العلمي المصري نتيجة توحيد جهود الباحثين والعلماء وتوفير مجهودهم ووقتهم والقدرة علي توفير الأجهزة الكبيرة ذات التكلفة العالية نتيجة عدم تكرار شرائها كما ان هذا سيعطي الدولة القدرةعلي وضع خطط قومية لحل المشاكل الكبري التي تعاني منها مصر وتكليف تلك المراكز من خلال تبعيتها لوزارة واحدة للقيام بهذه المشاريع من خلال التعاون فيما بينها والتكامل البحثي والعلمي والذي يعود بدوره علي الاقتصاد القومي بفوائد عديدة . ان استمرارا لأوضاع الحالية لمراكز الأبحاث في مصر وتوزيعها بالصورة الحالية علي الوزارات المختلفة لم يعد يتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة ولا مع طموح وتطلعات العلماء المصريين وأصبح ضم تلك المراكز تحت مظلة وزارة واحدة وإعادة صياغة اللوائح والقوانين المنظمة لها ضرورة ملحة ويحتاج لقرار جرئ من إدارة الدولة مهما كانت الصعاب والمعوقات.