حالة من «الزهق» تكبس على صدرى، كلما سألنى أحد: لمن ستعطى صوتك فى الانتخابات الرئاسية؟ وها هى الانتخابات تقترب ويصبح السؤال أكثر طرحاً وإلحاحاً مثل طنين ذبابة لا تفارق صوان الأذن.. قبل أسابيع كنت أجيب دون تردد: سأعطى صوتى للدكتور محمد البرادعى «أيقونة» الثورة ورمزها النبيل.. كانت الإجابة تثير الاستغراب لأن البرادعى انسحب من السباق، وكان بداخلى إحساس عميق بأن شيئاً ما سيحدث، أو ينبغى أن يحدث ليعيده إلى قائمة المرشحين، وعندما تأكد خروج البرادعى بذلت جهداً فى متابعة المرشحين الآخرين لأستقر على مرشح أمنحه صوتى، وانتهى بى الأمر إلى حيرة كبيرة.
هل من اللائق أن أعترف بأننى لم أستقر حتى الآن على مرشح أمنحه صوتى وأقترحه لمن يظن بى الحكمة وحسن الاختيار؟ وهل من الجائز أن أصحو كل صباح على إحساس مقبض بالضياع والبلد قاب قوس واحد من حدث تاريخى بكل المقاييس هو انتخابات رئاسة الجمهورية التى يقال إنها ستكون أول انتخابات حرة فى تاريخ مصر الحديث؟
الحقيقة أننى لا أقيم وزناً كبيراً لانتخابات الرئاسة، ولا أعتبرها حدثاً تاريخياً فارقاً، حتى لو تمت وفق أقصى معايير النزاهة، كما لا أعتقد ببرامج المرشحين وأقوالهم فى المؤتمرات الانتخابية، فعملية التصويت ذاتها أياً كانت ليست أكثر من إجراء واحد فى سلسلة إجراءات اتسمت كلها بالتلفيق والكذب والخيانة لثورة 25 يناير.. وبرامج المرشحين تشابهت إلى حد التطابق، وليس هناك برنامج أفضل أو أسوأ من برنامج، وأقصى ما يمكن لمثلى أن يفعله هو أن يستبعد تماماً عمرو موسى وأحمد شفيق، ثم يقف طويلاً ليفاضل بين حمدين وأبوالفتوح وأبوالعز الحريرى وخالد على، ثم يضيف إليهم –بعد تفكير طويل– محمد مرسى بوصفه أستاذ هندسة مواد وليس بوصفه إخوانياً.
ولقد فعلت ذلك مراراً، وكلما فعلتها ازداد ضياعى وتعمقت حيرتى مثل سائر فى طريق يكتشف فجأة أن قوة غامضة هى التى دفعته على هذا الطريق، بعد أن ضيع طريقه الأصلى: طريق الثورة التى لم تكتمل.. والثوار الذين توقفوا فى منتصف الطريق، وتفرقت بهم السبل، وها هى القوة الغامضة تقود الجميع إلى صورة أخرى من «وطن» أكثر مسخاً من الوطن الذى عرفناه وكرهناه فى ظل نظام مبارك.
لهذا، لم أعد أطيق السؤال عمن سأعطيه صوتى، واعتدت –كل صباح– أن أطالع أقوال المرشحين بسأم شديد، ووجدتنى أمس أتوقف طويلاً أمام صورة الطفل «محمد ماهر صدقى» الذى دهسته إحدى سيارات الدعاية لمرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى فى كفر صقر بمحافظة الشرقية، فأردته قتيلاً فى الحال.
«لماذا يكون الأطفال المرشحون للموت على هذا القدر من الجمال؟».. لقد تحول «محمد ماهر» إلى بوستر جنائزى تقول كلماته: «هذا الطفل كان سيدخل الصف الأول الابتدائى هذا العام، ولكن مسيرة الجهل أدخلته القبر وأدخلت الحزن على أهله»، هل أقول: إن محمد ماهر أصبح معادلاً موضوعياً لوطن يدخل تاريخاً جديداً دون دستور ودون أى أمل فى تحقيق مطالب ثورته المغدورة؟