علمنى كيف أنحر رأس الذبيحة من الخلف وأنقض عليها كالذئب ولا أتركها إلا وقد فصلت الرأس عن الجسد، كيف أضعها على قبلة الصلاة وأكبر الله شاكراً ساجداً على نصره العظيم، وفتحه المبين.. علمنى كيف أنظر إلى وجه الضحية حين تستعطفنى ولا أتردد، وتبكى وأرى دموعها تنسكب على سكين القتل ولا أرحم، وتسألنى بأى ذنب تُقتل فأجيب: «بأمرك»، علمنى كيف أنفض عن ملابسى دماء ضحيتى، وبقايا أشلائها كأنها بقايا مياه وضوء، أو بقايا إفطارِ بعد صيام.
علمنى كيف أتوضأ بعد القتل، وأرفع يدى تجاه الله، أدعوه بطول العمر وكمال الصحة، ووفير الرزق، ونجاح الأبناء، وستر الأيام، ورضا الأب، ودعوات الأم بحب جميع الخلق وجميع الناس، علمنى أستقبل الكعبة قبلتى ببكاء حين أرى الله وأُشهده أن نبيه ملاذُ الرحمة والرجاء وأنت الوكيل المؤتمن على رحمته وخلقه.. علمنى كيف أميت القلب وهو مُضغة الصلاح، وأحبس همس الرحمة وهى شريعة الله، وأكفر بالحب وهو سره فى الأرض، وأزرع نبت الكُره والحقد فى أرض الخير فيصبح المستنقع والحنظل عجين الفقراء، ولقمة عيش للمسكين وفتات الباقى زكاة من التائه وجهاد العلماء والجهلاء.. علمنى يا شيخنا كيف أكون شهيدا وأنا القاتل، وأن الحور العين تُزف بكارى للجلاد، وبيوت الجنة ونسيمها العليل يتنفس الشيطان، فالجلاد أسال الدم على سيفه حين قتل، وأسال الدم على البكر حين اغتصب والكل راهن الخسران.
علمنى كيف يُغنى السفاح أنشودة القرب إلى الله، والقرآن حبيبه بجواره والسيف البتار يسبق كلماته ويتمتم بآيات الله، ويُبدل فيها ما شاء، فالقتل بديل السلم، والبغض بديل الحب، والظلم بديل الرحمات، وقيام الناسك العابد ليلاً تُسن فيه سيوف الغدر، وقنابل الموت، وسنابك حصد الأرواح والناس نيام، وصلاة الفجر فاتحة الخير لله، كانت أفضل وقت للقتل والزيف والبهتان، فالعابد حين تراه الحارس فالناس تنام.
علمنى.. من جاء إلى بيتك ودق الأبواب وسار بأمان الله فى الطرقات وسلام الله يحيطه، ووعد الله بتأمينه ينزل وينام، ويعلم أن سلام الرب هو سلام الله ووعد الرب هو نفسه وعد الله، أتُراك قد ارتحت لمقتله من فتواك؟ وأن القاتل قد ذهب معه للقاء الله؟ كيف يعيش القاتل بجوار المقتول؟ وكيف لنفس الرب أن يلقى من طاع ومن خان ومن أسعد ومن أتعس ومن أحب ومن كره.. أفليس الرب راعى القاتل والمقتول؟
علمنى الله أن القتل حق للسلطان والشيطان، فالقتل الأول لقصاص، والثانى فتوى الجهل أو جهل الحكماء أو حكم الجهلاء، وطريق السلطان العدل، والجهل طريق مُظلم ونوايا الشر إلى النار.
يا شيخنا.. علمنا الله أن القرآن هو السلطان، والفتوى طريق الإنسان إلى النار إذا أخطأ، فلستَ وكيلاً عنه؛ فالله الموجود الحى لا نائب له، وليس مسافراً لإنابة إنسان.