لم يحدث طيلة حياتى المهنية أن أبديت اهتماماً كبيراً بالقضايا التى تحققها نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، ولا القضايا التى تنظرها المحاكم الاستثنائية، فقد تربيت على الحذر من أى قضاء استثنائى، وكانت الشواهد سخية فى التأكيد على أن هذا النوع من القضاء لا يتمتع بالقدر الكافى من الدقة والعدالة اللتين يتمتع بهما القضاء الطبيعى.
ومنتصف الأسبوع الماضى جاء إعلان نيابة أمن الدولة العليا طوارئ عن ضبط شبكة تجسس جديدة تعمل لحساب إسرائيل، ليؤكد لى ولغيرى صحة موقفى من أداء هذا الفرع الاستثنائى الذى ينتمى إلى أصل قضائى عريق ومحترم هو النيابة العامة، فبعد يوم واحد من الإعلان عن القضية، إذا بنيابة أمن الدولة تسارع -على غير المعتاد- بإرسال صور من نصوص التحقيقات إلى كل الصحف والمواقع الإلكترونية، وإذا بالشبكة التى تم الإعلان عنها لا تشمل التحقيقات فيها غير اثنين فقط من المتهمين: الأول مواطن مصرى اسمه رمزى الشبينى، والثانية مواطنة مصرية اسمها سحر إبراهيم سلامة، بينما لا توجد أى تحقيقات مع بقية أعضاء الشبكة الإسرائيليين والأجانب؛ لأنه لم يتم ضبط أحد منهم من الأساس!
والمهم فى نصوص التحقيقات التى وزعتها «نيابة أمن الدولة العليا طوارئ» على كل وسائل الإعلام، أنها تضمنت فى الحلقة الأولى، التى نشرتها المواقع والصحف ليلة الثلاثاء وصباح الأربعاء الماضيين، كلاماً على لسان المتهم الأول جاء فيه أنه اعتمد على المتهمة سحر سلامة فى إعداد تقارير مهمة عن القوات المسلحة المصرية؛ لأنها تعمل صحفية فى مجلة «النصر» التابعة للقوات المسلحة، وفى الحلقة الثانية من الموضوع، التى نُشرت ليلة الأربعاء وصباح الخميس، قال رمزى الشبينى شيئين جديدين فى منتهى الخطورة؛ الأول أنه فى «نوبة صحيان ضمير» ذهب إلى المخابرات العامة المصرية يوم 3/7/2013 واعترف لهم بأنه يعمل جاسوساً لإسرائيل، وبعد أن استمعت المخابرات العامة إلى أقواله تركته يغادر سالماً ولم تفعل شيئاً؛ لأنها اعتبرته مجرد شخص كذاب، وأن كل المعلومات التى ادعى أنه نقلها لإسرائيل عن الجيش المصرى غير ذات قيمة.
أما الشىء الثانى فهو أن رمزى الشبينى أكد فى التحقيقات أن المتهمة سحر سلامة أقامت علاقات جنسية مع ضباط بالقوات المسلحة المصرية دون مقابل مادى، وتمكنت من الحصول منهم على معلومات نقلتها إلى رمزى، الذى قام بدوره بنقلها إلى إسرائيل.
المثير أن الزميلين كارم محمود وجمال عبدالرحيم، العضوين بمجلس نقابة الصحفيين، كشفا لوسائل الإعلام، ليلة الثلاثاء الماضى، أن نيابة أمن الدولة أرسلت خطاباً رسمياً إلى النقابة قبل حوالى شهر تستعلم فيه عما إذا كانت المتهمة سحر إبراهيم سلامة عضواً بنقابة الصحفيين من عدمه، وأن النقابة أرسلت خطاباً رسمياً للنيابة تؤكد فيه أن المتهمة ليست مسجلة على الإطلاق فى جدول المشتغلين ولا جدول تحت التمرين بالنقابة، حدث هذا فى الوقت الذى لم تكلف فيه النيابة خاطرها بسؤال القوات المسلحة عما إذا كانت هذه المتهمة تعمل فى مجلة «النصر» أم أن ما قاله رمزى الشبينى مجرد ادعاء؟ والغريب فى الأمر كله أن مجلة «النصر» التى تصدر عن الشئون المعنوية بالقوات المسلحة شهرياً ويتم طرحها للبيع مدنياً، لم تعمل فيها منذ تأسيسها قبل 57 عاماً صحفية بهذا الاسم على الإطلاق، لأن من طبائع الأمور المعروفة فى القوات المسلحة أنه لا يمكن أن يلتحق للعمل فيها شخص ينتمى إلى أسرة كل أفرادها «مسجلين خطر سرقة بالإكراه وآداب كمان»!!
والمحصلة أن القارئ لـ«قنبلة شبكة التجسس» التى أنجزتها قبيلة أمن الدولة بشقيها فى الشرطة والنيابة، لن يتبقى فى ذهنه ووجدانه من كل الثرثرة التى احتوتها غير شيئين أساسيين هما: أن الجيش المصرى مخترق تماماً بسبب الولع الجنسى لضباطه بأمثال المتهمة الثانية التى نشرت أمن الدولة صورتها، فإذا بها تحرض على الفضيلة، وأن جهاز المخابرات العامة المصرية يأتيه الجواسيس طائعين معترفين فيصرفهم بأدب بالغ ليواصلوا دورهم التخريبى فى مصر التى «حماها الله» بفضل جهاز أمن الدولة فقط، الذى ظل يراقب ويسجل ويتابع حتى داهم شقة المتهمة وحرز مضبوطات خطيرة جداً على الأمن القومى المصرى، هى تحديداً: «ملابس حريمى وأحذية وحقائب حريمى وأدوات تجميل وزجاجة عطر وعدد 2 موبايل ماركة سامسونج»، وهو الأمر الذى دفعنى إلى الاتصال فوراً بزوجتى وأمرتها بإلقاء كل الملابس والأدوات الحريمى الموجودة طرفنا، داخل شرفة جارتنا النكدية، وإبلاغ أمن الدولة العليا طوارئ لتحريز هذه المضبوطات والقبض على «جارتنا» فى قضية تجسس جديدة!