م الآخر| دولة الغريب "15".. الحلقة الأخيرة
بعد النهاية ابتعد القرامطة عن القلزم، وما زال الجنود يرددون هتاف "سواسية سواسية سواسية"، ولم تكن فرحة الانتصار بقدر حزن استشهاد القائد الغريب أبو يوسف بن يعقوب الذي جاء لحماية المدينة ليستشهد فيها، فقرر الشيخ علي أن ينشئ له مقامًا في موقع مقتله وأطلق عليه مقام الغريب حامي البلد وظل الجند في المدينة يرددون أننا في السويس، أي نعيش متساوين فزادت شهرة السويس وزال اسم القلزم تدريجيًا من عقول أهلها وقرر تكوين مجتمع جديد يكون الناس متساوين وإخوة، فقال الشيخ علي "إننا سننشئ هنا في السويس مجتمعًا مثاليًا، مجتمعًا لن نفرّق فيه بين عربي ومغربي، ولا أبيض وأسمر، سنعيش كلنا إخوة وأصدقاء، ندافع عن حقنا في الحياة، نحن أخرجنا الغريب من ضياعنا و صراعاتنا فعلينا أن نستمر في تحقيق وصايا الغريب". ونادى أحد الجنود المغاربة أن نقوم بإنشاء دولة الأدارسة هنا، لأن سيد الغريب كان ذا فضل ومكانة في دولتهم فنذهب لنبايع خليفتنا في الريف المغربي فرفض الشيخ علي، وأعلن أن السويس لن تكون تابعة لدولة في أقصى المغرب، وإن الغريب علّمنا أن المساواة من أساسيات الحياة فلن نميّز أحدًا على الآخر، وأعلن تولية جعفر وتمت له البيعة ولكن الصراع القائم بينهم وبين سيف الدولة أدى إلى أن يقتل سيف الدولة جعفر.
وعندما حانت الفرصة قام الخليفة العباسي بتولية الأخشيدي على مصر الذي انفصل بها وكون دولته الأخشيدية ومنع ذكرى الغريب، وإن بقيت في النفوس ذكراه الطاهرة وظل مزارًا للحجاج لمئات السنين، حتى إن تاهت الحكاية سيظل البحث دائمًا عن دولة العدل والرحمة الحقيقة دائمًا مهما فقدت ستعود، فنحن لا نهتم بالحقيقة بقدر اهتمامنا بتمثل أننا نعرف الحقيقة! نحن لا نهتم بالحقيقة إلا إذا كانت تخدم أفكارنا وتؤكد علينا أنها الحقيقة التي تبحث عنها الجارية هاجر، أرملة في الأربعينات من عمرها تعيش في السويس، تدفعها الذكريات للمجيء إلى هنا قبر زوجها أبو يوسف بن يعقوب وتبكي وتتذكر ما حدث، وتأتي هاجر كل عام إلى هنا في نفس اليوم في 17 من ذي الحجة لزيارة قبر زوجها، إن ما حدث قد مرّ عليه أكثر من عشرين عامًا ولكنه كأنه حدث الأمس يحتفل أهل المدينة احتفالاً بسيطًا ويقيمون موائد الطعام إن كل ما حدث انتهى وكأنه حلم ولم يعد أحد يدركه، فالمدينة لم تعد تدرك إلا القشور، إن الصراع والفوضى يسيطر على الجميع، لا أحد يتذكر الغريب و لا مبادئه ولا أفكاره لا يتذكرون الا الاحتفال لم تتزوج هاجر من بعد أبو يوسف وفضّلت أن تعيش على ذكراه بعد أن انتهى كل شيء، ظلت لسنوات تربي ابنها أحمد وذهبت أحلامها في أن يرث ابنها مكانة والده الغريب ولكنه مات بسبب الحمى منذ سنوات فظلّت على ذكرى ابنها وزوجها، وتعود هاجر إلى نفس المكان وتتذكر ما حدث وما دار، وكانت الحكاية أغرب من الخيال وبعد خمسين عامًا جاء جوهر الصقلي إلى مصر وتذكر القصة القديمة التي كانت تُروى على أبو يوسف بن يعقوب، ولاحظ تعلّق الناس به فقام بتجديد المسجد له ونسبه إلى الدولة الفاطمية، حيث إن الخليفة المهدي ساعده ومهّد له الطريق تم القضاء على القرامطة تمامًا في عهد الدولة الفاطمية وعاش الإسلام حرًا وعاد الحجر الأسعد إلى مكانه وتناسى الجميع ما حدث.