علامة إجادة يستحقها الدكتور «مرسى» على إشارته لسوريا بخطابه أمام قمة عدم الانحياز بطهران. عبر الرئيس أخيرا عن الحقيقة التى طالبناه وطالبنا الخارجية المصرية مرارا بتقريرها وهى أن نظام الأسد هو نظام قمعى تورط وما زال فى جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات بشعة لحقوق شعبه وأن الانتصار للثورة السورية ووقف نزيف الدم السورى بالتخلص من الديكتاتور يستدعيان تضامن مصر الأخلاقى والسياسى والاستراتيجى. هذا هو واجبنا بعد ثورتنا ومع رئيس منتخب ديمقراطيا، والضرورة تقتضى الضغط على الدول الداعمة للأسد والمستسيغة لإجرامه ضد شعبه لحسابات إقليمية أو دولية. مهمة الرئيس والخارجية الآن هى ترجمة الموقف المتضامن مع سوريا إلى فعل منظم وتنسيق مع الدول المؤيدة للثورة ولحقوق الشعب السورى.
جيدة أيضا إشارة الرئيس لمركزية القضية الفلسطينية التى تراجعت كثيرا على الأجندة الإقليمية والدولية فى ظل انفجار الثورات العربية واستمرار الشقاق الفلسطينى الداخلى. مسئولية مصر هنا هى إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة والانتهاء من ملف المصالحة الفلسطينية بسرعة. وفى هذا السبيل الوحيد لغل يد الحكومة اليمينية فى إسرائيل عن مواصلة استغلال تجاهل القضية الفلسطينية للتوسع فى النشاط الاستيطانى بالضفة الغربية ومواصلة تفتيت وتقطيع أوصال ما تبقى من الجسد الفلسطينى لإقامة الدولة المستقلة.
كذلك كان حديث الدكتور «مرسى» عن إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، مع الاعتراف بحق كافة الدول فى امتلاك برامج سلمية للطاقة النووية، مهما ومعبرا عن استمرارية فى الموقف المصرى ومجمل المواقف العربية شأنه شأن التأكيد على تطوير منظومة متكاملة للسلام الإقليمى والعالمى والدور المحورى لحركة عدم الانحياز.
إلا أن أزمة خطاب الرئيس كانت فى المكان الذى ألقاه منه، إيران، فالجمهورية الإسلامية تقمع الحريات وتنتهك حقوق الإنسان داخليا. وبها قضى «آيات الله» على انتفاضة شعبية شبابية بعنف شديد قبل سنوات قليلة، ولم تكن بدايات الانتفاضة هناك مختلفة عن الثورات العربية. إيران تدعم بقوة، بصورة مباشرة وعبر وسطائها فى الشرق الأوسط كحزب الله فى لبنان، الديكتاتور الأسد وتحمى إجرامه. ولها أدوار إقليمية خطيرة فى العراق ولبنان، تداعياتها تحول دون البناء الديمقراطى الحقيقى فى الدولتين.
وللجمهورية الإسلامية برنامج نووى يثير الكثير من الشكوك الإقليمية والدولية بشأن مدى سلميته. وسياساتها وممارساتها الإقليمية، إزاء الخليج خاصة، بعيدة عن تشجيع تطوير منظومة للأمن الإقليمى، ورسخت فلسطينيا للشقاق بين السلطة وحماس بدعمها للأخيرة وتوظيفها كورقة فى إدارة صراعات طهران الإقليمية والدولية (تبدو حماس اليوم قادرة على الخروج من المصيدة الإيرانية).
المسكوت عنه إذن فى خطاب الدكتور مرسى هو كون كافة المضامين الجيدة التى حملها تتعارض مع ما تتبناه الجمهورية الإسلامية. وبالمسكوت عنه هذا تكمن ضرورة الانفتاح المنضبط سياسيا واستراتيجيا على طهران على نحو يضمن مصالحنا وينتصر للديمقراطية وحقوق الإنسان التى نريد الدفاع عنهما فى سوريا ولبنان والعراق، وفى إيران أيضا.