م الآخر| حوار تخيلي مع نجيب محفوظ
ذهبت له في موعدي المحدد وفتح لي الباب دون أضغط على جرس وعندما ابتسم سألته كيف عرفت أني قادم، نظر إلى الساعة، بالطبع أنا لست دقيقا في مواعيدي إلى هذا الحد ولكنه موعد مع الأستاذ نجيب محفوظ.
*لك مقولة أحبها جدا.. "كن كالتاريخ يفتح أذنيه لكل قائل ولا ينحاز لأحد ثم يسلم الحقيقة ناصعة هبة للمتأملين"..ما علاقة التاريخ بمصر؟
هنا تاريخ البشرية كله فلا أعتقد أن ذلك التاريخ تجمع لبلد آخر كما تجمع لمصر، قد احتضنت مصر كل الحضارات في أمومة واضحة لولا ذلك لما مكثت فيها هذه الحضارات ولما تركت فيها بعضا منها.
*ما رأيك في الأحداث عن هبوط مستوى الأخلاق؟
أن المصري هو مخترع الأخلاق، ولقد سبق بذلك أدياننا السماوية والأخلاق ليست فقط نظامًا للتعامل بين الناس ولكنها هي تنظم المجتمع وتحميه من الفوضى والفناء.
*أرجو منك أن تحدثنا عن خصائص الشخصية المصرية؟
إن أكثر ما يميز الشخصية المصرية هو قدرة المصري على الصبر على المصائب أيًا كان نوعها اجتماعية أو سياسية وهو يتفوّق في ذلك على شعوب أخرى كثيرة، فهو يعتبر أن المحن التي تمر به هي مكتوب عليه، لكن مع ذلك فإن التاريخ المصري لا يخلو من ثورات وتمردات لا تُعد ولا تُحصى.
والمصري أيضًا متدين جدًا وبما أنه في فترات انتظاره الطويلة والتي فرضت عليه ألوانًا من الصبر وجد أن عليه أن يفكّر في الكون وفي الخليقة وفيما بعد الموت وهذا باعث التدين لأنه وجد في الدين الأجوبة على جميع أسئلته لماذا أحيا؟ ولماذا أموت وإلى أين أنا ذاهب؟
كما أن روح الفكاهة من الخصائص الأساسية للشخصية المصرية فلا شك أن الإنسان الذي لديه صبر الانتظار فإن روحه تكون سماحة تميل للدعابة.
*ماذا أضاف الإسلام إلى مصر؟
إن الإسلام جاء إلى مصر بالعقيدة كما ذهب إلى الشام و إلى بلاد الفرس، فمثلما كانت لمصر حضارتها، لو كانت العقيدة الإسلامية ضعيفة لانغلقت على نفسها ورفضت تلك الحضارات، لكنها على العكس من ذلك اختلطت بها فأثرت فيها وتأثرت بها لأن الإسلام كان دين عقل ومعرفة وعلم فاستخلص من هذه الحضارة أحسن ما فيها وترجم، وأضاف إليه فكانت الحضارة الإسلامية ولذلك نجد أن مراكز ازدهار الحضارة الإسلامية هي القاهرة ودمشق وبغداد وقرطبة.
*يقولون إن الجيل الحالي سيئ.. ما رأي حضرتك؟
إن الشاب الذي يكمل تعليمه ويخرج إلى الحياة متطلعا وفي النهاية يجد أنه لا مكان له في هذه الحياة التي كان يتطلع إليها، فلا عمل له في وسط أزمة البطالة القائمة ولا مسكن وسط أزمة الإسكان القائمة، وبالتالي فلا عمل ولا زواج ولا استقرار فإلى أين يتجه وماذا يفعل غير أن يحطم هذا المجتمع الذي يرفضه أنا إذا كان ذلك ممكنا أن يتم تحت دعوى دينية سماوية فإن انجذابه إلى التيار يكون أقوى وأشد، ولكني أرى أن الشباب هذا الجيل يختلف عن الذي سبقه في إدراكه للحقيقة وبحثه عن حلول بديلة.