"الوطن" تنشر نص كلمة الرئيس عدلي منصور في القمة العربية بالكويت
ألقى المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية المؤقت، كلمة مصر أمام القمة العربية المنعقدة بقصر بيان الأميري في دولة الكويت.
وقدم منصور، الشكر للدول العربية، التي ساندت مصر، كما عبر عن أمله في أن ينضم لمسيرة التضامن العربي، "من يسير عكس مسار التاريخ"، وطالب بتفعيل اتفاقية مكافحة الإرهاب، وقدم 3 مقترحات للقمة.
وفيما يلي نص الكلمة:
"صاحبَ السمو، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويـت.. أصحابَ الجلالة والفخامة والمعالي والسمو.. ملـوك وأمراء ورؤساء الدول العربية الشقيقة.. صاحبَ المعالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية.. الوفودُ المشاركة.. السيدات والسادة.
في مُستهلِ كلمتي، أودُ أن أعبرَ عن تقديرنا الكبير لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، فهذا ما عهدناه دائما، وإننا لعلى ثقة تامة في أن رئاسة دولة الكويت لفعاليات تلك القمة، ستؤتي بمشيئة الله تعالى ثمارها الطيبة، كما أسجلُ كلَ تقدير للجهد الدؤوب الذي تبذله بحكمة واقتدار جامعة الدول العربية، برئاسة معالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام، في سبيل تحقيق المصلحة العربية، وإنجاح مسيرة العمل العربي المشترك.
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والمعالي والسمو.. أنقلُ إليكم رسالة من الشعب المصري، الذي يفخر بانتمائه للأمة العربية العريقة، أنقلُ لكم امتنان أهلكم في مصر لما قدمتموه من دعم ومساندة، إبان مرحلة من أخطر مراحل التطور المجتمعي التي خاضتها مصر في تاريخها الحديث.
إن جموعَ الشعبِ المصري قاطبةً، لن تنسى من اختار المؤازرة والمساندة، قلبا وقالبا، لثورة الثلاثين من يونيو، والتي جاءت لتُصحح المسار الذي فرضه البعض على ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتستكمل أهدافها.
لقد نادى المصريون بالعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية، واندلعت ثورة يونيو للحيلولة، دون اختطاف الوطن، وتغيير هويته، وجره بعيدا عن الإرادة الجامعة والضمير الوطني لجميع المصريين، وسط ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، ومن أجل ذلك، وفي ضوء تلك المعطيات، نؤكد لكم – أيها الأخوة الكرام – ولشعوبكم العربية الأبية.. إن مصر تثمن غاليًا التأييد والدعم اللذين تلقتهما من الدول العربية الشقيقة، وسوف يسجل التاريخ لتلك الدول وقفتَها، وقد دعونا من قبل، ولازلنا نأمل، أن يبادر البعض ممن لا يزال يقف على الجانب الخطأ من مسار التاريخ، أن يراجع موقفه ويصحح اختياراته، لينضوي الجميع تحت مظلة الأخوة والتآزر العربي.
إننا في مصر، أوشكنا على الوفاء بكافة التعهدات التي قطعناها على أنفسنا خلال إدارة المرحلة الانتقالية، وها نحن نقترب من إتمام ثاني استحقاقات خارطة الطريق – بعد إقرار الدستور في يناير الفائت – عبر إجراء الانتخابات الرئاسية، كي تليها بعون الله وتوفيقه الانتخابات البرلمانية، لنكون بذلك استكملنا بناء مؤسسات الدولة الحديث المبتغاة، لدولةٍ تسعى للتقدم والحداثة والتضامن مع أشقائها العرب، وتناضل من أجل التنمية والتحديث في إقليمها بأسره.
السيدات والسادة.. تواجه أمتنا العربية تحديات جساما على مستويات مختلفة، سياسية، واقتصادية، واجتماعية وغيرِها، تستوجب كلها أن يعضدَ بعضنا بعضا، وأن تتضافرَ الجهود المشتركة المخلصة، من أجل بلوغ الغاياتِ التي تتوق إليها شعوبنا منذ زمن طويل. وفي مقدمة التحديات، كانت ولا تزال القضية الفلسطينية، والتي هى قضيتنا المحورية والمركزية. هذا، وقد تابعت مصر ولا تزال المفاوضات الجارية برعاية أمريكية، وقد دعمنا ولا نزال، السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، في مواقفها وكل ما يصب إيجاباً في خانة المصلحة الفلسطينية، وإننا لنتطلع أن تسفر قمتنا الحالية عن تأكيد موقفنا العربي الجماعي الراسخ، الداعمِ لإنهاءِ مأساة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والذي بات يشكلُ ــ لامتداده لعقود طوال ــ وصمة عار في جبين الإنسانية جمعاء. إن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة والنماء، في حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967، وعاصمتُها القدس الشرقية، اتساقا مع قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومرجعيات عملية السلام، لاسيما مؤتمر مدريد ومبادرة السلام العربية، أمور لا تقبل التنازل أو التفريط، وإلا باتت الشرعية ذاتها محل تشكيك، وصار السلام نفسه غير قائم على العدل، وغير قابل للاستدامة، وإننا نطالب المجتمع الدولي بالعمل على إيقاف أية محاولاتٍ إسرائيلية للنيل من حرم المسجد الأقصى الشريف، ومقدساتنا في القدس، فهذا خطٌ أحمر، لو تم تجاوزُه، فلن يستطيعَ أحدٌ التنبؤ بنتائجه الكارثية على الجميع.
إن حرمَ المسجد الأقصى يخصُ الأمة الإسلامية بأسرها، وتتحمل إسرائيل المسؤولية كاملة ــ بوصفها قوة احتلال ــ إزاء النتائج الوخيمة التي ستنتجُ عن التهاون أو التخاذل بشأن حمايته من جماعات التطرف اليهودية. ونرجو أن ترسل قمتُنا هذه، رسالة قوية وواضحة إلى المجتمع الدولي، في هذا الخصوص.
وأدينُ في هذا السياق، وبكل قوة، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأطالبُ المهتمين بحقوق الإنسان، والمدافعين عنها، بالقيام بدورهم في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني العزيز، في غزة وغيرها، بشكل فوري، ومطالبة إسرائيل - باعتبارها قوة الاحتلال - بالوفاء بمسؤولياتها تجاه سكان غزة.
من ناحية أخرى، لا يزال الدم السوري الغالي يُراق كلَ يومٍ على الأرض السورية، ودعمنا بقوة كافة الجهود الدولية التي أسفرت عن انعقاد مفاوضات "جنيف 2، رغم تعثر هذه العملية السياسية. كما نبذل جهودًا في محاولة تقريب مختلف قوى المعارضة الوطنية، حول رؤية موحدة، تدفع بالحل السياسي، فلا يزال الأمل قائما نحو حلحلة الأزمة الراهنة، عبر خطوات انتقالية، لتستعيدَ معها الدولة السورية عافيتَها ولحمتَها، إذا أبدت دمشق استعدادا لتحقيق التقدم المطلوب، نحو تشكيل هيئة حكم انتقالية، تأخذ سوريا الشقيقة إلى آفاق جديدة، وتسمح بإنهاء الصراع المسلح، الذى حصد حياة ما يزيد عن مائة ألف سوري وسورية، حتى الآن.
إن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من هذه المأساة، التي يعيشها أشقاؤنا في سوريا، وعلينا أن نحرصَ كلَ الحرص على الحفاظِ على وحدة الدولة السورية واستقلالِها وسلامة أراضيها، وأن نواصلَ هذا الجهد بعزمٍ لا يلين، وإرادة لا ينالها الفتور. فكل يوم يمر، يعني مزيدًا من القتل والتدمير لأهلنا في سوريا.
وعلى صعيد آخر، بات خطر الإرهاب يهدد أوطانَنا جميعاً، ودون استثناء، في محاولات يائسة للافتئات على حق الشعوب في إنفاذ إرادتها، ولتقويض استقرارها وتعطيل مسيرتها التنموية، لقد سالت دماء أبناء لنا فى عملياتٍ إرهابية غادرة خلال الفترةِ الأخيرة، من جماعات لم تراعِ حرمة الوطن ولا قدسية الدين. إن تلك
الدماءَ الذكية، سواءٌ كانت لمن لقى ربَه أو أصيب، لسوف تشدُ من عزمنا الأكيد، وتصميمِنا الذي لا يفتر، على اجتثاث هذا الخطر كلية من منطقتنا، فلا هوادة مع أولئك القتلة الغادرين، ممن أساءوا للدين والوطن في آن واحد. ومن ثم، فإن مصر تدعو كافة الدول العربية الشقيقة، إلى الوقوف صفا واحدا في مواجهة الإرهاب،
بما يستوجبه ذلك من سرعة تفعيل الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وأن تتعاون فيما بينها على تسليم المطلوبين قضائيا، وعلى رفض توفير المأوى والدعم بأي شكل من الأشكال قد يصب في صالح من حمل السلاح ضد أبناء وطنه. ويقيناً، فإننا قادرون معا – بعزم أكيد ونية صادقة – على مواجهة هذا الخطر واستئصاله من مُجتمعاتنا، كي يعيش المواطن العربي حيثما وجد آمنا في بيته، آمنا في تنقله، آمنا في سعيه إلى لقمة عيشه، بكرامة وعزة وإباء، فلن يُروعَ أبناؤنا ــ بعون الله وقوته ــ طالما اتحدت إراداتنا على مكافحة هذه الآفة.
إن منطقتنا العربية، مرت في غضون السنوات السالفة، بمنعطفات تاريخية هائلة ومؤثرة على مستقبل أجيالنا القادمة، فثمة رؤى تتوهمُ بأن هذه الأمة فاترةُ العزم، خائرة الهمة، وأنه من الممكنِ إشعال الفتن وحرائق النزعات الطائفية هنا وهناك. ولأصحاب تلك الترهات نقول، إن هذه أمة عربية عريقة، قديمة قدمَ التاريخ، تضربُ بجذورها في أطنابه، تلك الدول خاضت كفاحَها المُضني من أجل نيل استقلالِها، والحفاظِ على مقدراتِها وسلامتها الإقليمية، وإننا لقادرون على عبور كافة الأزمات، استلهاما لكفاح الآباء، وحرصاً على مستقبل الأبناء، ولتكن رسالتنا واضحة في هذا المجال وغيره.
وأود من هذا المنبر، أن أؤكد أهمية معنى العروبة، كقاطرة لشحذ الهمم، وإطار لتحريك الشعوب العربية نحو تحقيق مصالحها، فعروبتنا ليست مجردَ شعار نستخدمه بلا مضمون، بل هي هويتنا ومصدر قوة كبيرة لنـا، إذا قدرنـا ما توفره من إمكانات لا تتوفر لشعوب أخرى، فإذا كان بعض التجمعات الإقليمية يتقدم على درب تحقيق الوحدة الاقتصادية والسياسية رغم اختلاف الثقافة واللغة، فإن عاملا واحدا من عوامل قوتنا، ألا وهو اللغة العربية، يُمَكِنُ المواطن من أن يقرأ الصحف، ويتابع الأنباء والتطورات، وينخرط في جميع أنواع التبادل التجاري والشراكات مع أشقائه العرب أينما وجد، وأظن الكثيرين سيحسدوننا عليه إذا أحسنَّا توظيفه، فضلاً عن عناصر قوة متعددة نملكها كعرب، لا مجال للحديث عنها تفصيلا هنا، إلا أن علينا العمل والاجتهاد لتعظيم قوتنا المشتركة، وحتى نرقى بمجتمعنا العربي ونلحق بركب التقدم.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. لقد اختارت دولة الكويت الشقيقة، التضامن العربي، عنوانا لدورتنا هذه، وهو ما تثمنه وتدعمه مصر، اقتناعا منها أن السبيل الوحيد لتحقيق رفعة هذه الأمة، هو إعلاء المصلحة القومية العربية، والتصدي لأية محاولة للوقيعة بين شعوبنا وبلداننا، وهو ما يستلزم بدايةً، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ودعم الخيارات الوطنية لكل دولة، ودعم مسيرتها لبناء غد أفضل لأبنائها، وعدم الانجرار للتدخل بحثا عن نفوذ أو دور، لن يؤدي إلا لشق الصف العربي. وأثقُ تمامَ الثقة، أن عروبتَنا ستعودُ لتُصبح تلك القاطرة التى توحد العرب، من المحيط إلى الخليج، وتجعل لهم من أسباب القوة ما يحفظ لهم موقعهم على الساحة الدولية، عبر مشروع قومي يواجهُ التحدياتِ الكبرى، ويستفيد من دروس وأخطاء الماضي، ويثَبِت مفهوم الدولة الحديثة العصرية، التي توفر الظروف لتفجير الطاقات الإيجابية، وإطلاق العنان لقدرات مواطنينا، لتحقيق تطلعاتهم المشروعة في التقدم والرفاهية.
وفي هذا السياق، تقترح مصر أن تنظر تلك القمة المباركة في ثلاثة مقترحات، وتكليفِ الوزراءِ المختصين أن يقوموا عبر جامعتنا العربية، بوضع الخطط والآليات اللازمة للوفاء بها، بحيث يكمل العمل العربي المشترك الجهود الوطنية لكل دولة على حدة.
أولاً: إعلانُ العقد الحالي 2014 ــ 2024 عقدا للقضاء على الأمية في جميع أنحاءِ الوطن العربي، وأدعو هنا، وبشكلٍ عاجل، لاعتمادِ برنامج عمل، يكون هدفه التخلص من ظاهرة الأمية في مختلف أنحاء المنطقة العربية خلال السنوات العشر القادمة، وأقترح أن تكون أولى خطواتِنا في هذا السياق، عقد اجتماع في غضون الشهرين المقبلين، لوزراء التعليم فى الدول العربية، يتمُ الإعداد الجيد له، ويُقر برنامجَ العمل الذي دعوت لاعتمادِه، وحتى نُعالجَ قضية هى الأساس والمسبب للكثير من مشكلاتنا المستعصية في العالم العربي. ولا شكَ أن طموحَنا لا يتوقف عند حدِ محو الأمية، بل يمتد إلى تمكين مواطنينا من الإلمام بكافة أساليب وأدوات التعامل مع العصر الحديث، عبر تعليم متطور، يسمح لأبناءِ أمتِنا بمنافسة أقرانِهم في العالم كلِه.
ثانياً: دعمُ المبادرة التي أطلقتها مصر، حينما دعت الدول العربية الشقيقة، خلالَ الدورة العادية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري، يوم 9 مارس الجاري في القاهرة، إلى عقد اجتماع خاص لوزراء العدل والداخلية العرب في أقرب وقت، وأنتهز هذه الفرصة لأدعو إلى عقد هذا الاجتماع قبل نهاية شهر يونيو المقبل، وذلك في إطار تنفيذ الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، بهدف النظر في مدى الالتزام بتطبيق الاتفاقية، والبناء على ما تحقق خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب منذ أسبوعين في مراكش، والذي أعلن رفض الدول العربية الكامل للإرهاب بكافة صوره وأنواعه، وأكد عزم العرب على مكافحته، وأيد كافة الإجراءات التي تتخذها الدول الأعضاء في هذا السياق، مدينا جميع الأعمال الإرهابية التي تستهدف الدول الأعضاء، وداعيا لاتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بمكافحة هذه الظاهرة البغيضة.
ثالثا: في ضوء أن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على البعد الأمنى وحده، فإنني أدعو للنظر باهتمام وجدية، في إقرار إستراتيجية عربية موحدة، بعناصرها الفكرية، والثقافية، والإعلامية، والتعليمية، لمواجهة نمو وانتشار الفكر المتطرف. وأطرح عليكم في هذا الإطار أن تستضيف مكتبـة الإسكندرية اجتماعا للمفكرين والمثقفين، بمشاركة المسؤولين من المؤسسات المعنية بدولنا، والمؤسسات العربية المختصة بهذا المجال، يخلُص إلى توصيات محددة، وعملية تتعلق بالنهوض بالمستوى الفكري والثقافي، لا سيما لأجيال الشباب، الذين هم أملنا في المستقبل وعماد الصحوة والعمل المجدِ، للّحاق بركب التقدم العالمي، على أن تُطرحَ تلك التوصياتُ على الاجتماع القادم لوزراء الخارجية العرب، لاعتمادِها والتنسيقِ بشأنِها مع مختلف المؤسساتِ العربية المُختصة بتنظيم التعاون في هذا المجال.
وإني لأدعو الإعلامَ العربي، في إطار ما يتمتع به من حرية، ويشهده أداؤه من تطور في هذه الفترة، أن يساهم بقوة، وبتأثيره الملحوظ على مجتمعاتنا، في حمل راية التنوير والتحديث، بما يشملُه ذلك من حفاظ على ثوابت الأمة ومصالحها.
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي.. نظن أن الوقتَ قد حانَ لأن تُتخذ قراراتٌ حاسمة على مستوى القمة، فيما يختص بتطوير التعاون الاقتصادى بين دولِنا، عبر إصدار توجيهات فورية بتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية، وتحقيق الانتقال السلس والآمن، عبر تنظيم محكَم للعمالة ورؤوس الأموال داخل العالم العربي، والعمل على توحيد التشريعات المُنظمة للأنشطة المختلفة، وفي كلِ ذلك ما سيُسهمُ بقوة في إيجادِ الحلول للقضايا المرتبطة بالإرهابِ والتطرفِ الفكري، فتوفير الوظائف، وسبلِ العيش الكريم، والتعليم الجيد لأبنائنا، لهو أحد أهمِ وسائل مواجهة انتشار الأفكار الهدامة ونزعاتِ التشدد في أي مجتمع، ويُذكر في هذا المقام أن دولة الكويت الشقيقة، كانت قد استضافت القمة العربية الاقتصادية في شهر يناير من العام 2009، وهو جهد نعتقد أنه من المهم تطويره، في سياق بحثنا الدائم عن تحقيق طموحات شعوبنا.
إن المواطنَ العربي، حيثُما كان، من المحيط إلى الخليج، يتطلع إلى وقت – نأمل أن يكون قريبا – يستطيع فيه أن ينعم بحياة كريمة آمنة ومستقرة، ينتقل بحرية، ويعمل بأمان، أينما أراد في وطن عربي مستقر، فمعركةُ البناء لا تقل أهمية لمواطنينا عن معركة التحرر.
أصحابَ الجلالة والفخامة والمعالي والسمو.. على الصعيد السياسي الدولي، لا يزال النظامُ العالمي يُعاني اختلالاً هيكليا، ومعاييرَ مزدوجة، لا سيما فيما يختص بقضايا دولنا، أو ما اصطلح على تسميتِه بالعالم الثالث، ولذا فإننا مطالبون بالعمل الدؤوب، من أجل التنسيق بين دولنا أولاً، ومع الدول الصديقة الأخرى، كي يصلَ صوتُنا الموحدُ، المستند إلى الحق والعدل إلى غاياته، لا سيما حيالَ القضايا المصيريةِ ذاتِ التأثير بعيدِ المدى، مثل إصلاح الأمم المتحدة، وعلاج الاختلال الاقتصادي الدولي، ومجابهةِ أخطار الجريمة المنظمة والتحديات البيئية وغيرها.
أما فيما يتعلق بجهودِنا المتضافرة لتخليص منطقتنا من أسلحة الدمار الشامل، فلا يفوتُني أن أؤكد أن مصر تُثمنُ وتقدرُ عالياً قيامَ الدول العربية الشقيقة بدعم المبادرة المصرية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، التي تم إعلانها في غضون أعمال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة. إن أمننا القومي العربي، والحفاظ على حقوق أجيالنا الجديدة، لهي أمور بالغة الأهمية والخطورة، لا مجال للتهاون أو الفتور بشأنها، فلابدَ من إخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل، وإخضاع منشآت إسرائيل النووية لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلا ينبغي أن تكون هناك دولة فوق القانون.
لقد اضطلعت جامعة الدول العربية، بجهود مقدرة فى سبيل دفع العمل العربى المشترك، ليس في المجال السياسي فحسب، بل في مناحي العمل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغيره. ويقيناً، فإن جامعة الدول العربية بمسيرتِها الطويلة منذ منتصف الأربعينيات وحتى الآن، وبكل ما حققته من إنجازات، ورغم ما حاق بها من إخفاقات، كانت وستظل رمزا للهوية العربية، وبيتا جامعا لكل العرب من المحيط إلى الخليجِ، وإننا لنتابعُ بكل تقدير، الجهود المبذولة لإصلاح وتطوير آليات عمل الجامعة، لتحقيق قدر أكبر من الفعالية، وهو ما ندعمه بكل قوة، ونتطلع إلى أن نرى ثمارَها قريباً، فمن حق شعوبنا أن تفخرَ وتطمئنَ بأننا صادقون في عزمنا، واثقون في خطانا، سائرون على الطريق الصحيح.
تلك القضايا هى ما نصبو إليه، ونتطلعُ أن تفضي قمتُنا المباركة – برئاسة دولة الكويت الشقيقة – إلى نتائجَ ايجابية بشأنها. إن التحديات جسام، وآمال شعوبِنا التواقة إلى النماء والكرامة والرفاهية كبيرة، فلنكن قدر هذه التحديات، ونحن بالتأكيد أهــلٌ لهـا.
وفقنـا الله جميعا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".