النهضة «روح» تدفع فى شرايين الفرد إحساساً بضرورة أن يكون أفضل، وأنه يستحق الخروج من مستنقع الرداءة الذى يعيش فيه. «روح» تسيطر على الفرد، يشعر معها أن الأرض التى يعيش فوقها هى أرضه، وأن المحيطين به يرتبطون معه بحبل متين، وأن الكل يعتلون ظهر سفينة واحدة، هى سفينة الوطن، وأن عليهم أن يتعاونوا معاً حتى تصل هذه السفينة إلى بر الأمان، فإذا وجدوا من بينهم من يحاول أن يخرقها، أخذوا على يديه حتى ينجوا جميعاً.
هذ الوصف ليس ضرباً من ضروب البلاغة الأدبية، لكنها كلمات يمكن أن تسير على قدمين عندما يشعر الإنسان أن ما يطالب به تتم ترجمته فى الواقع بصورة فورية وعملية.
وإذا أردنا أن نضرب مثلاً عملياً على هذه المعانى، فلن نجد أقرب من الأحداث التى شهدها شهر مارس 2011 عقب تنحى المخلوع فى 11 فبراير من ذلك العام. فمن غير أن يستحثهم أحد أو يوجه إليهم الدعوة، نزل مجموعة من الشباب فى واحد من الأحياء المصرية، وأخذوا يجمعون القمامة من الشوارع، ويطلون بلدورات الأرصفة، ويزرعون الأشجار، ويزينون أسوار المبانى برسوم مبدعة، وانتقلت العدوى من حى إلى حى، ومن محافظة إلى محافظة، حتى أصبحت روحاً عامة تسيطر على المصريين، الكبار يدفعون من أجل تمويل مشتريات النظافة، والشباب والصغار يعملون بدأب وإيمان، وفرحة وسعادة، فى إعادة رسم صورة مصر لتصبح أجمل وأرقى.
من المؤكد أنك تتذكر تلك المشاهد التى دامت لأسابيع متتالية، وتسلطت عليها كاميرات وعدسات الإعلام العالمى لتنقل تلك الصورة المبهرة التى وقف العالم يتفرج عليها، تلك الصورة التى دفعت «برلسكونى» رئيس وزراء إيطاليا السابق إلى أن يعلق على الأمر قائلاً «ما وجه الغرابة.. المصريون يكتبون التاريخ كما تعودوا».
ثم فوجئ الجميع بعد ذلك بهذه الروح تخفت وتتلاشى وتتراجع، فاختفى الشباب من الشوارع، وعاد الكبار إلى أكواخ يأسهم، ورجعت الشوراع إلى سابق عهدها. لماذا ظهرت هذه الحالة ولماذا اختفت؟
لقد ظهرت بفعل الروح التى ولدتها ثورة يناير، الروح التى شعر معها المواطن أن هذا البلد بلده، وأنه يدار وفقاً لإرادته، خرج إلى الشوراع يتظاهر ويطالب بتنحى حسنى مبارك فتنحى، طالب بإقالة أحمد شفيق رئيس الوزراء حينذاك فأقيل. واختفت تلك الروح فى اللحظة التى تكاتف فيها أصحاب السلطة والسلطان خلال المرحلة الانتقالية لإجهاض الثورة، حين بدأت دماء الشباب تخضب أسفلت الميادين، والسجون العسكرية تزدحم بالشباب الثائر، وأجساد الفتيات تتعرى فى الشوارع. عندئذ شعر المواطن أن حقيقة «هذا البلد بلدى» كانت وهماً، فاختفت روح النهضة، وعادت ريما لروحها القديمة!