مثل البرق، ومضت روح النهضة خلال أيام معدودات من عمر الثورة، لكنها سرعان ما اختفت، ومضت حين أحس المواطن المصرى أن القرار فى هذا البلد قراره هو، واختفت حين اجتهدت القوى الكارهة للحياة التى دبت فى الجسد الخامل، فى إعادته مرة ثانية إلى وضع الجثة، ولم تستحِ أن تحدثه بعد ذلك عن النهضة، وهى التى أعادته إلى حالة الرقاد ثانية!.
هذا الشعب الذى تحرك من تلقاء نفسه لتنظيف الشوارع وتزيينها خلال شهر مارس 2011، دعاه الرئيس مرسى -منذ أسابيع- إلى المشاركة الفاعلة فى حملة تنظيف مصر من «الزبالة» التى أصبحت ترسم خريطتها على صفحة الوجود، ولكن قد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي!. كانت الاستجابة لمبادرة الرئيس ضعيفة للغاية، عاد النجوم من جديد إلى الظهور فى المشهد، فخرج أقطاب حزبى الحرية والعدالة والنور، وبعض من يحاولون التقرب من أصحاب السلطة والنفوذ، ليلتقطوا الصور التذكارية، ولتتسلط عليهم كاميرات التليفزيون، وهم يرتدون القفازات، ويضعون على أفواههم «الكمامات»، ويمسكون بأيديهم المقشات، خرج أيضاً عدد من أبناء التيارات الإسلامية، إيماناً منهم بضرورة دعم دعوة الرئيس، ومساعدته فى الوفاء بواحد من وعوده الخمسة التى قطعها على نفسه، خلال المائة يوم الأولى من حكمه، فى حين آثر أفراد الشعب العاديون الغياب عن المشهد وكأن الأمر لا يعنيهم! وسرعان ما وضع الجميع المقشات جانباً!.
فكيف يستطيع من يرقد فى غيابات العدم أن ينهض بالحياة؟ لقد جعل الله سر الخلق فى كلمة واحدة: كلمة «كُن»، كما جاء فى كتابه الكريم «إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون»، ذلك هو السر الأكبر فى حياة البشر، سر الكاف والنون، فـ«كُن» معناها: حقق وجودك، وحقق وجودك مغزاها: اصنع حياتك، واكتب تاريخك، ولا تترك غيرك يحدد مصيرك، فأنت حر فى الاختيار، ومطلق اليد فيما تتخذه من قرار. هذا الإحساس شعر به المصريون، ورأوه رأى العين فى أحداث الأيام الثمانية عشر للثورة، وخلال الأسابيع التى تلتها، لكن الأعين الطامعة والأيدى المتعجلة لاقتناص السلطة وأدته ودفنته فى التراب. إذن كيف يمكن أن تحدث «النهضة» والروح هكذا.
إنها نفس اللعبة التاريخية التى يعالج بها «تجار السياسة» ثورات المصريين فى كل عصر. قامت ثورة 1919، وبادر توفيق الحكيم إلى كتابة مسرحية «عودة الروح»، لكن سرعان ما تاهت روح هذه الثورة، وهو ما حدث مع ثورة 25 يناير، لذلك كان من الطبيعى جداً أن يخرج علينا المهندس خيرت الشاطر معلناً عدم وجود مشروع للنهضة، فكيف ينهض بلد لم يعد فيه روح؟!.