النهضة ثقافة.. والفارق بين المجتمعات الناهضة والمجتمعات الساقطة فى وهدة التخلف يرتبط باختلاف الثقافة السائدة. وقد كان من السهولة بمكان أن تدرك أن كل من تحدثوا عن النهضة، خلال المنافسة على الانتخابات الرئاسية، غير جادين فى الأمر، لسبب واحد شديد الوجاهة، وهو اختفاء كلمة «ثقافة» من كلامهم أو كتاباتهم، رغم أن إصلاح الواقع والنهضة بمعطياته ترتبط بذلك العضو الذى يسمى «عقلا». لقد أطالوا الحديث عن «المعدة» والأرجل والأقدام، لأنهم يريدون شعباً تابعاً، يؤدى لهم واجب «الطاعة» فيؤدون له حق «الطعام»! أما العقل فمشكلته الأساسية أنه لا يعرف الطاعة أو الانقياد، بل ديدنه فى الحياة «التمرد» والامتعاض وعدم الرضاء بسهولة، والبحث المتواصل عن الأجمل والأفضل.
ثقافة النهضة تعنى منح العقل حقه فى حرية التفكير، والرضاء بحالة التمرد التى تعتريه من وقت لآخر. فهذا التمرد هو سر الأفكار الجديدة التى تؤدى إلى تحولات فى الحياة، ونحن مجتمع يهوى قتل التمرد وسحق المتمردين! دعونا نسأل: ما الفارق بين الشاب الذى يرضى أن يعيش هنا بلا عمل ولا أمل، والشاب الذى يقرر المغامرة بالهجرة بحثاً عن تحقيق ذاته؟ إن الفارق بين العقلين هو ببساطة: أن الأول يمتلك عقلية ارتجاعية تسليمية تؤثر السلامة، ولا تمتلك القدرة على التمرد، أما الثانى فيتمتع بعقل طموح لديه القدرة على الحلم، وعلى البحث باستمرار عن طرق جديدة يسلكها من أجل حل مشكلاته، عندما تسد فى وجهه طرق الحياة داخل المكان الذى يعيش فيه، إنه عقل قادر على التمرد على واقعه وما رسمه البشر المحيطون به من أقدار يريدون تكتيفه بها. وما أسخف أن يلوم صاحب العقل الارتجاعى ذلك المهاجر «المجازف» لأنه يقدم على خطوة غير مضمونة العواقب، متناسياً عواقب الخيبة والندامة المضمونة التى يعيش فى ظلالها!
هل تعرف كيف نشأت أقوى دولة فى العالم حالياً، الولايات المتحدة الأمريكية؟ لقد نشأت على يد مجموعة من الشباب الذين يتشابهون مع شباب الهجرة غير الشرعية الذين يسخر منهم البعض ويرثى البعض الآخر لحالهم. تُرى لو كان من يطلق عليهم الأمريكيون «الآباء المؤسسين» خافوا أو تلكأوا أو استسلموا للحياة فى أوربا، هل كان من الممكن أن توجد الولايات المتحدة الأمريكية على الخريطة اليوم؟ إنك تكاد الآن تفهم لماذا تسيطر أمريكا على العالم كله، وكيف تتدخل فى إدارة معالم الحاضر والمستقبل داخل البلد الذى تعيش فيه، إنه ببساطة «العقل المتمرد» القادر على التغيير، الذى يعلم أن إرادته بيديه وأن قدره بين عينيه، وأن مصيره يوجد داخله، ولا يخطه له أحد من خارجه يدين له بالسمع والطاعة!