استفقنا على حقيقة موجعة، هى أن فى وطننا عقولاً شوهها غياب الدولة وانسحابها الكامل، تاركة مجال التعليم بكل درجاته ومراحله، للجماعات «الإسلامية»، تعبث بكل ما استقر عليه المجتمع وكان متجذراً فى الوجدان المصرى، ديناً ومبادئ وسماحة ووسطية.. وما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلارى كلينتون، وتم الكشف عنه بالصوت والصورة، ما كان ينبغى أن يكون مادة شديدة الخطورة والأجدر باهتمام وسائل الإعلام، لتوعية الرأى العام بأبعاد «الاستراتيجية» الأمريكية «الجديدة!» حيال وطننا العربى، وربما تجاه العالم بأسره، قالت كلينتون إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد فى حاجة إلى «الغزو» العسكرى، لأى بلد، وكان الحديث على ما أظن، مناسبته الشرق الأوسط لتحقيق مصالحها، ويكفيها لذلك الآن أن يستمر العرب والمسلمون فى قتل بعضهم البعض الآخر.. ليس هناك سياسة دولة، أكثر انحطاطاً فى رأيى من السياسة الأمريكية والذين يروجون لها ومن يقومون بتنفيذها.. وواشنطن تعتمد على ما يبدو على سلبياتنا، حتى إنها خلعت، مطمئنة وغير عابئة، «برقع» الديمقراطية وحقوق «من تراه إنساناً»، فأصبح مسئولوها يصرحون علناً بمضمون مخططاتهم، اعتماداً على أننا، كما سبق وقال وزير الحرب الإسرائيلى الأسبق موشى ديان، شعوب لا تقرأ!! والكارثة الأفدح، هى فى نسبة الأمية المخيفة، ومن ثم تسلل كل ما يبتغيه العدو، بواسطة قنوات عديدة ومتنوعة وفى المقدمة منها، التيار المتستر بعباءة الدين، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.. ديمومة التطاحن تحت مسميات خرجت إلى العلن، لم تكن موجودة من قبل، مثل الانتماءات الطائفية والعرقية، التى هدأت حدتها فى العالم كله تقريباً، بينما استعر لهيبها فى منطقتنا، وهى منطقة تضم بحكم الواقع والتاريخ، اتباع الديانات السماوية الثلاث، وكذلك أصولاً عرقية متنوعة، تحقيقاً لمصالح ومآرب الولايات المتحدة.. ويكفى أن نلقى نظرة موضوعية على الحرب الأفغانية، التى لم ولن تنتهى، لندرك إلى أى مستنقع، قادنا «شيوخ؟» أمريكا، بتجنيد الشباب العربى والمسلم للقتال دفاعاً عن استراتيجية «الخليفة!» القابع فى البيت الأبيض.. ولو أن عدداً ضئيلاً ممن قُتلوا فى أفغانستان قد تصدوا للتوسع الصهيونى الغاصب على حساب أبسط حقوقنا، ومنها الحق فى الوجود داخل وطن شهد ميلاد أكثر أجدادنا قدماً فى التاريخ، لكان لنا ولقضايانا شأن آخر.. لكن أصحاب السطوة فى مرحلة انسحاب الدولة وتسليم ٩٩٪ من أوراقنا إلى أمريكا، خدعوا الشباب البائس اليائس، فى معظمه، بفرية أن «الاستشهاد؟» فى أفغانستان هو بوابة الجنة الأكيدة، والسبيل المضمون إليها، لأنه قتال فى سبيل الله!؟. نتيجة لتغييب العقول وتشويهها، بحيث باتت أرضاً خصبة للاستراتيجية الأمريكية، لم يتوقف أحد ليتساءل: أليس تحرير القدس الجريح، بمسجده الأقصى وكنيسة القيامة، الأجدر بوصفه جهاداً فى سبيل الله؟.. هل الاحتلال السوفييتى لأفغانستان أكثر حرمانية وإجراماً، من الاحتلال الصهيونى لفلسطين؟. ومن خوّل هؤلاء «الشيوخ؟» تقديم أفغانستان على فلسطين؟.وبطبيعة الحال، كانت أنظمة عربية عديدة، متواطئة مع هذا التوجه «فلم يجد من يبيح القتل والكذب والسرقة والنهب، فى «سبيل الله؟» من يمتلك شجاعة مواجهته، على اعتبار أن الزمن هو زمن هذه الجماعات.. فإذ بنا نبتلى بـ«العائدين» من أفغانستان، ونرى «تطويع» آيات من كتاب الله، لخدمة المشروع الأمريكى الذى كشفت عنه كلينتون، ومن آخر تجليات هذا الإفك، تبرير منظمة «أنصار بيت المقدس»، الإرهابية، لقتل المصريين، وليس الإسرائيليين!، وترويعهم، بأنها، وهى إحدى فروع جماعة الإخوان، إنما تطبق الآية الكريمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..» وكذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ما قاله ياسر برهامى، القطب السلفى، من أن حزبه، النور؟، سيحدد موقفه من المرشح الرئاسى، حسب درجة اقترابه من الدين!!! ولفرط سذاجتى، توهمت أن الرجل، الذى لم يكف يوماً وباسم الدين، عن بث الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، سيخضع لسؤاله عن مصدر قدراته المنظورة، أى فهمه للقرآن الكريم وتعاليمه، وغير المنظورة، وهى كيفية قياس «درجة تدين المرشح الرئاسى؟!» التى يمكن أن يرضى عنها السيد برهامى.. ما زالت أمريكا وأدواتها، يعيشون فيما قبل ٣٠ يونيو..!!