قول الحق هو واجب كل صاحب كلمة وسياسى مهتم بالصالح العام وليس بالمصالح الضيقة والحسابات الحزبية. وفى لحظات القلق على الوطن يتحول قول الحق إلى فرض ضرورة.
مصر تجدد بها الآن دماء السلطوية عبر استحواذ وهيمنة الإسلام السياسى على مجالس ومؤسسات وأجهزة ومواقع رئيسية فى الدولة والمجتمع. مصر تجدد بها الآن دماء السلطوية عبر تغليب لون حزبى وسياسى، هو لون الإخوان ومن التحق بهم، يعصف على الأقل جزئيا بمعايير المهنية والكفاءة فى شغل المناصب العامة وبمعايير الديمقراطية الحقة القائمة على الحفاظ على استقلالية أجهزة الدولة التنفيذية والإدارية وحيادية المجالس النوعية والمتخصصة.
مصر تجدد بها الآن دماء السلطوية عبر الترويج لخطاب سياسى خطير مفاده أن لجماعة الإخوان وللمتحالفين معها من جماعات الإسلام السياسى الأخرى الحق فى الاستحواذ والسيطرة باسم الديمقراطية. فصندوق الانتخاب الذى جاء بالدكتور مرسى وبأغلبية الحرية والعدالة فى مجلس الشورى ومن قبله فى مجلس الشعب، هكذا يدفع مروجو خطاب «الاستحواذ حق ديمقراطى»، يمكنهم من اختيار وتعيين من يشاءون فى المناصب والمواقع التى يشاءون وعلى من خسر فى صندوق الانتخاب القبول صامتا.
تكمن خطورة مثل هذا الخطاب فى الوعى الزائف الذى ينتجه، فالفوز بصندوق الانتخاب لا يعنى الاستحواذ والعصف بالمهنية والموضوعية. والدول الديمقراطية تميز دوما فى مؤسساتها وأجهزتها بين مستويات ومناصب سياسية معدودة للحزب أو للفريق الفائز فى الانتخابات أن يختار شاغليها وبين العدد الأكبر من المستويات والمناصب التى يتعين عدم تسييسها ومنع السيطرة الحزبية عليها.
مصر تجدد بها الآن دماء السلطوية عبر نزوع واضح لدى الإعلام المملوك للمجتمع والإعلام الخاص لتملق الرئيس وجماعته وحزبه. تهليل فاضح بعد كل خطاب يلقيه الدكتور مرسى أو زيارة يقوم بها. مبالغة فى كلمات وعبارات التأييد بحيث أصبح الرئيس وبعد أسابيع معدودة محنكا وملهما وقويا وعظيما. قنوات تليفزيونية باتت تأتى بممثلى الإخوان والحرية والعدالة للحديث فيما يعلمون، وأيضا فيما لا يعلمون. وصحف خاصة أصبح همها نشر حوارات مع قيادات الجماعة والحزب لكشف الأسرار ومعرفة دقائق خطط الرئيس الرائعة للشعب المصرى الذى يطلب منه الاصطفاف صفا واحدا خلف الرئيس، بعد أن كانت هذه الصحف تقود الدفاع عن الديمقراطية، كل الديمقراطية. لا نقاش منظما أو نقديا على هذه القنوات أو بهذه الصحف حول الاستحواذ أو حول مصادرة الحريات أو بشأن الهجمة الإعلامية البشعة على حرية الإبداع والفن أو عن غياب الإصلاح لمؤسسات وأجهزة الدولة الذى تعين الآن، بل تملق للرئيس ومن معه والترويج لهم ولقراراتهم.
تجديد لدماء السلطوية يجرى فى عروق مؤسسات الدولة والمجتمع، ورئيس منتخب يتركه يحدث بلا تدخل أو يشارك به معتمدا على من يتملق ومن يبرر.