لقد أعلن الأطباء الإضراب الجزئى!!
فى أى دولة تحترم نفسها يصبح هذا الخبر كارثة.. لقد أعلن الأطباء أنهم سيتوقفون عن العمل فى المستشفيات العامة والوحدات الصحية ومراكز الرعاية الأساسية والعيادات الخارجية الخاصة بمستشفيات وزارة الصحة.
لقد كانوا يتحلون بالرحمة، فاستثنوا بعض الأماكن من هذا الإضراب حتى يحافظوا على حياة المواطنين، منها الطوارئ والاستقبال.. والحضّانات.. وعياداتهم الخاصة بالطبع!!
فى كل الأنظمة والحكومات التى تدير المنظومة المستحدثة، المسماة بالدولة، حين يعلن الأطباء عن إضراب فى المستشفيات العامة ينبغى أن يكون الأمر كارثياً..
هذا إذا كانت تعمل من الأساس!!
لا تستعجب عزيزى القارئ من العبارة السابقة، فطبقاً لإحصائيات عام ٢٠١٠، وهى بالمناسبة آخر إحصائيات متاحة، فمستشفيات وزارة الصحة لا تقدم سوى ٤٧٪ فقط من الخدمة الطبية المجانية للمواطنين، وتتكفل المستشفيات الجامعية بالنسبة المتبقية، التى بالمناسبة تعتمد فى ميزانيتها على وزارة التعليم العالى، وليس وزارة الصحة!!
إضراب الأطباء لم يبدأ من اليوم.. فهم مضربون منذ أن قررت الحكومة أن يكون مجموع رواتبهم أقل من مرتب «برادلى» فى شهر واحد.. وحتى كأس العالم فشلنا فى الوصول إليها!
حين سألت هذا الطبيب الشاب عن طموحه فى المستقبل، صرح بكل ثقة: سوف أحصل على الماجستير وأسافر الخليج! لا يضرب الأطباء فى دول الخليج عادة!
هذا الطبيب.. ومثله كثيرون.. سيسافرون إلى دولة خليجية.. ويعالجون مواطنين يستحقون الحياة.. أما نحن.. فلدينا وطن مُضرب عن الحياة من الأساس.
لقد أضرب الأطباء طمعاً فى أن تعمل عياداتهم الخاصة، فيحصلوا على ما كانوا يظنون أنهم يستحقونه!
أضربوا حين اكتشفوا أنهم لا يقدمون للمريض رعاية صحية تحافظ على حياته.. بل يقدمون له خدمة الوصول للآخرة «دليفيرى» بدلاً من انتظاره للموت جوعاً!!
إن إصلاح المنظومة ينبغى أن يبدأ بتوفير الإمكانيات، التى تسمح للطبيب الشاب أن يقدم خدماته الطبية للمرضى، دون أن يعتمد تقديم الخدمة على أن يكون المريض فقيراً.. أو من الأعيان!
فكل من يحمل رقماً قومياً ينبغى أن يكون من حقه الحصول على العلاج المناسب، ولكن يبدو أن البعض من حاملى هذا الرقم فى وطنناً ليس من حقهم أن يمرضوا من الأساس!!
لم يخطئ الأطباء حين أضربوا.. كما لم يخطئ المريض حين أصابه المرض.. وإصلاح المنظومة الصحية هو أول الطريق، لنكون «قد الدنيا».. إن أردنا هذا بالفعل!
وتوفير الحياة الكريمة للطبيب، وإلغاء العلاقة المادية المباشرة بينه وبين المريض أول الطريق لإصلاح هذه المنظومة!
لقد دخل إضراب الأطباء شهره الرابع، ولم يشعر به أحد بعد!! وفى اعتقادى فإنه حتى لو دخل عامه الرابع -فى ظل المنظومة الحالية- فلن يشعر به أحد أيضاً!
لقد كان سليمان العرينى طبيباً ناجحاً، لكنه كان يعمل فى مستشفى خاص للأسف.. فلن يخضع للإضراب أيضاً!
تباً للتليفزيون! ما زال يعرض مسلسل «لحظات حرجة» اللعين!! وما زال «الممثلون» يعالجون المرضى.. والأكثر غرابة.. أن المرضى ما زالوا أحياء!! كيف يفعلونها؟!