«المؤسسة العسكرية سوف تنقلب على «السيسى» بعد ستة أشهر من توليه الرئاسة». هكذا قال «يوسف ندا»، المفوض السابق للشئون الدولية والعلاقات الخارجية بجماعة الإخوان. هل هى معلومة، أم تخمين وتوقع، أم أمنية؟ أتصور أنها ليست واحدة من الثلاث، ربما كانت خطة يعلم «ندا» بعضاً من تفاصيلها، يدبر لها التنظيم الدولى للجماعة خلال الأشهر المقبلة. كرر «يوسف ندا» اسم المشير «سوار الذهب» أكثر من مرة عند تناوله لهذا الموضوع. و«سوار الذهب» كان وزيراً للدفاع بدولة السودان، وقد انحاز إلى ثورة شعبية قامت ضد الرئيس السودانى جعفر النميرى عام 1985 وسيطر على الحكم ووعد بتسليم السلطة خلال فترة زمنية محددة إلى حكومة سودانية منتخبة. وقد برّ الرجل بوعده ليكون أول «وآخر» جنرال يتنازل عن الحكم -بعد الوصول إليه- فى تاريخ العرب!
كلام «يوسف ندا» غير منطقى. فالجيش المصرى لا يعرف فكرة انقلاب جنرال على جنرال أو قيادة على قيادة. وتفكير «ندا» بهذه الطريقة يعكس حالة البؤس التى تعيشها جماعة الإخوان وهى تفكر فى طريقة للتخلص من المشير «السيسى». فأقرب ما يرد على بالهم فى هذا السياق أن يحدث انقلاب من داخل المؤسسة العسكرية على «المشير». ولعلك تذكر الكلام الذى ردده الرئيس المعزول محمد مرسى أمام محاميه محمد سليم العوا، حين قال له: «مش اللى بيعمل الانقلاب لازم حد ينقلب عليه؟!»، الأمر الذى يدلل على أن تقييم الموقف على هذا النحو يعكس اتجاهاً عاماً داخل الجماعة!
لقد ذكر الدكتور كمال الجنزورى فى مذكراته أن البعض طلب من المشير عبدالحليم أبوغزالة، وزير الدفاع، أن يقوم بالإطاحة بالرئيس المخلوع حسنى مبارك خلال أحداث الأمن المركزى عام 1986، فرد عليهم قائلاً: «لا يمكن أن أفعل ذلك وإن أخطأت وفعلت فسيُفعل معى فيما بعد»!. ففكرة أن تنقلب قيادة عسكرية على أخرى ظاهرة لم يعرفها تاريخنا المعاصر، إلا إذا اعتبرت أن تحرك جمال عبدالناصر ضد محمد نجيب عام 1954 يقع فى هذا الإطار، وأتصور أنه ليس كذلك بالمعنى الدقيق، لأن عبدالناصر كان يتمتع خلال هذه الفترة بظهير شعبى ورسمى (من بين مجلس قيادة الثورة) يدعوه للقيام بهذه الخطوة.
الإخوان تبحث عن الحل «السلطوى» بعد عجزها عن الحل «الشعبى». هكذا يمكن أن نقول، فهم يريدون أن يتم تعديل مشهد السلطة من أعلى، بعد أن أدركوا أن الشعب استوعب مقاصدهم وفهم أنهم يعتبرونه مجرد مطية لتحقيق آمالهم فى التربع على كراسى السلطة، فثار عليهم فى 30 يونيو، تلك حقيقة لا يريد الإخوان مواجهتها ففسروا ما حدث بأنه «انقلاب» وأن من ينقلب سوف يُنقلب عليه! فى هذا السياق نستطيع أن نفهم الطريقة التى تفكر بها الجماعة. تجربة السنوات الثلاث الماضية تقول إن خلع الرؤساء فى مصر مهمة لا يستطيع القيام بها سوى الشعب. ويخطئ «السيسى» إذا ظن أن الجماعة مصدر خطر عليه، لأن الشعب هو مصدر الخطر الحقيقى. الجنرال «شعب» هو فقط -وليس غيره- صاحب القرار. وما أتعس من لا يستوعب ذلك، إنه لا يقل تعاسة عن «الإخوان»!