ازدحمت وسائل الإعلام «بالناصحين» للشعب، الذى يوصف بشدة الوعى والعظمة وكل ما هو جميل ومدعاة للفخر، إذا ما اتفق معهم، وانصاع إلى «نصائحهم» أو «تعليماتهم»، لكنهم ينقلبون عليه فى حال مخالفته لهم!.. القاسم المشترك بين هؤلاء الناصحين، هو رفض الاختلاف مع آرائهم وتحليلاتهم إلى حد دمغ المخالف لهم بكل ما يتيسر، تحت أيديهم، أو أقلامهم من مفردات، بدءاً من الوصم بالغفلة والجهل، مروراً بالعمالة والخيانة، وصولاً إلى الآفة الأكبر، التى ازدهرت فى زمن الإخوان وتفريعاتهم.. وهى الفتاوى التكفيرية للمعارض وتحليل كل ما يلحقون به من أذى وحتى القتل.. ولا يجد المراقب صعوبة فى اكتشاف تدنى الحوار بين كل فئات المجتمع واستخدام العبارات الخادشة للحياء، بتأثيرها الفادح على قطاعات كبيرة، خصوصاً بين الشباب.. ووسط كل هذا الصخب، يتسلل البعض بخطاب، ظاهره «الحنان» والحرص على المستقبل، بعد ثورتين، لا ينكرهما عدو أو صديق، وتجنيب البلاد «الويلات» التى قد تعترض طريقنا، إنما بالتدقيق فى «الباطن» والغوص فيما وراء قشرته الظاهرة، يتضح جلياً، الهدف الذى تقصده كل أشكال الجدل والشجار والتهديدات والاتهامات وما تيسر فى جعبتهم، والتى تصب جميعها فى قناة تحقيق ما يسعى إليه «اللاعبون» الكبار، وعلى رأس القائمة، ألا تخرج مصر من حالة الصراعات والاحتقانات، وذلك بالتشكيك فى أىٍّ كان، خصوصاً لو كان يتمتع بثقة الأغلبية الساحقة من المواطنين، والأهم أن يكون الرهان عليه وعلى قدراته على قيادة البلاد إلى بر الأمان وأن تستعيد مصر دورها ومكانتها.. ومن بين الحيل التى أظن أنها مكشوفة، إلى حدّ بعيد، تلك التى تطلق رشاشات التحذير من تحوُّل عبدالفتاح السيسى إلى «فرعون» أو «طاغية» أو «ديكتاتور».. فإذا أجبت بأن كل تصرفات الرجل التى كانت جواز مروره إلى العقول والقلوب، مكتسحاً كل التهديدات وجميع المخاطر، بما فيها تهديد حياته نفسها، أجابوا بهدوء يثير زوبعة من الغضب والدهشة، على قدرتهم فى لىّ عنق الحقائق والواقع الماثل أمام الناس، بأنهم يقصدون أن يتم هذا التحول، بعد سنوات الحكم الأربع الأولى!! أى أننا تجاوزنا حالة التحذير، لندخل حيّز التبصير!! وتمد حبل المناقشة بسؤال منطقى: هل لديكم مرشح، مضمون؟!، بأنه إذا ما انتُخب رئيساً فإنه بالتأكيد لن يتحول إلى كل «الوحوش والغيلان» سابقة الإشارة؟ وإذا ما أعيتهم سبل الإجابة عن هذا التساؤل أو تبريره تبريراً منطقياً، فإن «السلاح» التالى جاهز فى ثوانٍ.. ويتمثل فى التحذير من البطانة والمطبلاتية والمنافقين، الذين قد يحكمون حصارهم عليه، ويحركونه وفق مصالحهم!! ومن جهتى أرى فى هذا الكلام، بافتراض حسن النية، نوعاً من الاستخفاف بالعقول.. فعادة يتحول الحاكم إلى فرعون، إذا كان لا يحمل فى جعبته ما يقنع به المواطنين، بصدقه وإخلاصه وجدارته فى مواجهة أعتى الصعاب وأثقلها، بينما «السيسى»، وبعد مواقفه فى السنوات القليلة الماضية، خصوصاً فى عام «الحسم» مع الجماعة التى «تعاقدت» مع اللاعبين الأجانب «على تقسيم مصر وتوزيعها، بما يرضى هؤلاء اللاعبين»، على الأطراف التى حددوها، واجه هذا الخطر الداهم. صحيح أن الشعب، القائد والمعلم، هو من ثار وتصدى للمخطط، وصحيح أن جيشنا الوطنى الباسل قد انحاز للشعب، ولكن لا يستطيع عاقل أن ينكر دور الفرد فى التاريخ.
باختصار.. لا داعى للتبصير بـ«احتمال» أن يتحول «السيسى» إلى فرعون، لأن أحداً لا يستطيع أن يُقسم واثقاً، أن «س» أو «ص»، إذا ما جاء إلى الحكم، لن يتحول إلى طاغية، أولاً لأن «السيسى» لا يحتاج نفاقاً أو تطبيلاً، وثانياً لأنه أذكى من ألا يعرف أن الشعب قد نفض، وإلى ما شاء الله، غبار «الصبر» على الحكام الفشلة.. فما بالك بالطغاة؟!!