لقد ارتكب «حمدين» خطأ عمره حين قدم اعتذاره للإخوان عما ارتكبه عبدالناصر فى حقهم. خطأ حمدين الحقيقى هنا يكمن فى إقراره بخطأ رئيس كان يدافع عن شرعية نظامه فى مواجهة جماعة غير شرعية. أى أنه كان يطبق القانون على جماعة خارجة على القانون. وكان على حمدين -رجل السياسة كما يقول- أن يحصل على اعتذار مقابل من هؤلاء فى حق الدولة والمجتمع حين خرجوا عليه بالقتل والترويع والتآمر وصولاً لأهداف سياسية بديلاً عن الوسائل الديمقراطية.
لقد تصور حمدين نفسه ممثلاً لدولة عبدالناصر بل ممثلاً لعبدالناصر نفسه فراح يتصرف بغرور فيما لا يحق له التصرف فيه. هكذا أعطى من لا يملك حقاً لمن لا يستحق، فقدم اعتذاراً من الدولة التى يمثلها لجماعة خرجت عليها، بدلاً من أن يحصل على اعتذار من تلك الجماعة. حتى لو كان حمدين يمثل الدولة الناصرية حقيقة فقد كانت تلك الدولة دولة عسكرية -كما يرميها خصومها- حين قامت على أساس خاطئ باقتحام مضمار السياسة وهو ما لا يكف حمدين عن ترديده هذه الأيام حين يطالب العسكريين بالابتعاد عن السياسة.. هكذا يصبح اعتذار حمدين لجماعة الإخوان مبرراً. فهو يعتذر نيابة عن الحكم الناصرى أخطأ باستلابه حقوقاً سياسية لنفسه ليواجه بها جماعة سياسية مثل الإخوان، متجاهلاً أن الإخوان جماعة دينية وليست سياسية. فكان عليه أن ينكر على الإخوان أولا اقتحامها مجال السياسة كجماعة دينية. ولا شك أن الاعتذار الذى قدمه حمدين للإخوان كان يتضمن إدانة لعبدالناصر كما تضمن فى المقابل حكماً بالبراءة لجماعة إرهابية مارست ولا تزال تمارس القتل والترويع وسفك الدماء. بل والأكثر من ذلك فقد منح الشرعية وأوجد المبرر لتلك الجماعة فيما تمارسه. بينما سحب الشرعية من عبدالناصر الذى لا يكف هو وأنصاره عن ترديد الزعم بأنه قدوته ومثله الأعلى. وحين يردد حمدين رفضه لدخول العسكريين مضمار السياسة فإنه لا يقر فقط بخطأ ثورة يوليو وجمال عبدالناصر، بل يقر أيضاً بخطأ أحمد عرابى وجماعته حين زحفوا إلى قصر عبدين ليطالبوا توفيق بإصلاحات سياسية. كما يقر فى المقابل بأن ما قام به الخديوى من نفى لعرابى وإصداره فرماناً بخيانته هو تصرف شرعى ومنطقى من جانب الخديوى فى حق جماعة متمردة من العسكر ما كان يحق لها أن تعلن تمردها اعتراضاً على بعض الأوضاع السياسية. وهو ما يعنى ضمناً استنكار حمدين لما حدث فى 30 يونيو باعتباره تدخلاً عسكرياً فى مجال السياسة وكان على حمدين -والأمر كذلك- أن يرفض كل ما ترتب من نتائج على ما حدث فى ذلك اليوم وأولها فتح باب الترشح لانتخابات رئاسية ما كانت ستحدث لولا تدخل العسكر. هكذا جاءت مشاركته فى الانتخابات الرئاسية التى فتح له العسكر أبوابها دليلاً على انتهازية سياسية وتناقض واضح يكشف عن تضحيته بالمبدأ فى سبيل مصلحته الخاصة. وهو ما اعتاد عليه حمدين طوال مسيرته السياسية حين أزاح عبدالناصر من طريقه لما رأى فيه عقبة أمام تحالفه مع الإخوان. وهاجم عسكر عبدالناصر حين برز له أحدهم منافساً له فى الانتخابات الرئاسية واستمر عضواً فى مجلس الشعب ولم يقدم استقالته منه حين أقر باستعادة الأرض من الفلاحين وبيع مصانع القطاع العام. ثم راح بعد ذلك كله وسط جوقة من غلمانه يهاجم الناصريين الذين تخلوا عنه حين رأوه يضحى بكل شىء فى سبيل الكرسى.. أى كرسى!!