بالتأكيد الجميع يدرك ولا ينكر أن الإبصار بالعينين يكون فى الغالب الأعم أفضل وأقوى من الإبصار بعين واحدة، وهذا لا يقتصر فقط على الجانب المادى، أى رؤية الأشياء، ولكنه يمتد إلى رؤية الأحداث والوقائع، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها.
هناك من الإخوان الهاربين من يرى -مثل السيد محمد سويدان، أمين العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة- أن ما يحدث فى مصر إن هو إلا فيلم عبثى من إخراج الولايات المتحدة الأمريكية، وأن مساعد المخرج هو الكيان الصهيونى، ويراه سيناريو مشتركاً بين الموساد والـ«سى آى أيه»، أى المخابرات الأمريكية، وإنتاج دولى مشترك بين السعودية والإمارات والكويت، ورجال الأعمال المصريين، أمثال ساويرس وأبوالعينين وخميس والأمين وغيرهم. وهذه الرؤية مريحة جداً لقيادات الإخوان لأنها تغطى على أخطائهم الكارثية وتريح الأتباع، وتلقى باللوم واللائمة على الآخرين وهو ما يسهل تصديقه حسب نظرية المؤامرة الكبرى ويعفى القيادة من المحاسبة.
ويقول الرجل الهارب، فى مقالة طويلة بعنوان «نظرة على المشهد المصرى.. المؤامرة الكبرى» نشرت على الإنترنت ووزعت على الإخوان والحبايب، بعد هذه المقدمة المقتضبة يقول «إن التمثيل فى هذا الفيلم العبثى هو للمجلس العسكرى. والتمثيل للمجلس العسكرى وبطله الممثل البارع عبدالفتاح السيسى والممثل القدير للداخلية محمد إبراهيم، ورأس الكنيسة الأسقفية تواضروس وشيخ الأزهر أحمد الطيب ورئيس حزب النور، بشراكة من ممثلين جدد من وزارة العدل، على رأسهم عدلى منصور وأحمد الزند، والعديد من القضاة أمثال عادل عبدالسلام جمعة وأحمد عبدالنبى والرفاعى وسعيد صبرى ووليد إبراهيم وطلعت جودة، ووائل مصطفى كامل وغيرهم، والعديد من الكومبارس من وكلاء النيابة وقضاة محاكم الجنح والجنايات، ثم بشراكة فى التمثيل للعديد من الراقصات والفنانات والفنانين، ثم المصورين والموسيقى التصويرية للإعلام الرسمى والخاص المملوك لرجال الأعمال والمنسوبين للدولة العميقة ورجالات مبارك». انتهت هذه الفقرة من كلام الرجل.
لم يترك الرجل أحداً من الجيش ولا الشرطة ولا الحكومة ولا القضاء ولا الإعلام ولا الشخصيات العامة، لم يشركه فى الوهم الذى سماه المؤامرة الكبرى. العجيب أن «سويدان» يقول ما يقوله دون خجل أو حياء أو إنصاف مع من تصطف أمريكا ورءاهم اليوم. أمريكا عاقبت مصر لصالح العلاقة مع الإخوان، وأمريكا ضغطت على الثورة لصالح الإخوان، وأمريكا شجعت قطر وتركيا لصالح الإخوان، وأمريكا تستقبل وفوداً من الإخوان وتجيد التعامل معهم، والاتحاد الأوروبى أيضاً ضغط على مصر لصالح الإخوان. وكل هذا من أجل تقدير الإخوان وربما حباً فى الإخوان وفى منهجهم وفى حسن أدائهم فى السلطة ووفائهم بالعهود وخاصة لبيريز الصديق العزيز. لم يدعُ أحد من المذكورة أسماؤهم فى هذا المقال اليهود المصريين من إسرائيل للعودة إلى مصر مثلما فعل عصام العريان.
ثم يواصل محمد سويدان حديثه بعين واحدة أو بنصف عين للأسف الشديد أو بدون عين مبصرة على الإطلاق، فيقول: «ونتيجة لمنهج الرئيس مرسى لإصلاح المؤسسات الفاسدة وعدم هدمها، نال الموساد والسى آى أيه من نظامه بخلق تمرد والبلاك بلوك واحتلال ميدان التحرير بحماية الشرطة والجيش والكومبارس الصغار، أمثال البرادعى، سامح عاشور، وحيد عبدالمجيد، ممدوح حمزة، كمال أبوعيطة، كمال الهلباوى، الشيماء السيد، وجورج إسحق، ميرفت التلاوى وزوجة أحمد عز وآخرين كثر، وبالطبع بمصاحبة الموسيقى التصويرية المؤججة للمشاعر، وهو الإعلام الخاص ولا سيما مهرج المخابرات توفيق عكاشة، مع دفع الناس للغضب بالأزمات المفتعلة مثل نقص الوقود، وانقطاع الكهرباء، وانقطاع المياه، وترك القمامة بالشوارع، ونيل الإعلام من شخص مرسى وعائلته ووزارته».
لقد انتهى الحياء من هذا الرجل وأمثاله، ذكر أسماءَ كانت تدافع عنهم مثل الدكتور البرادعى الذى تحدى نظام مبارك والإخوان يشاركون معه، وكانوا فرحين بالمشاركة لا المغالبة، فلما جاءتهم الفرصة والحكم والسلطة قلبوا النظام وأصبح مغالبة لا مشاركة. لم يعد أحد من المذكورة أسماؤهم فى هذا المقال الشعب المصرى فى المائة يوم الأولى بعلاج القضايا الخمس المهمة ومنها الوقود والقمامة والمرور كما فعل مرسى. لم يذكر الرجل فى المقال خطأ واحداً ارتكبه الإخوان وكله يعود إلى المؤامرة الكبرى.
انتهى الحياء وإلى مزيد من التعليق على المقال كله فى الأسبوع المقبل.. والله الموفق.