أمام التيارات الوطنية الليبرالية واليسارية فرصة ذهبية للتعلم من خبرة الأشهر الماضية، وتجاوز بعض أوجه القصور الجوهرية التى تعانى منها فى عملها الجماهيرى والسياسى. والشرطان الأساسيان لكى تتحول الفرصة هذه إلى واقع هما تنحية المصالح الشخصية جانباً، والخروج من مصيدة ممارسة السياسة والتواصل مع المواطن عبر وسيلة وحيدة هى الإعلام.
فالسبب الأول للتفتت وتعدد الكيانات الحزبية المعبرة عن الليبرالية المصرية واليسار الوطنى والضعف التنظيمى الذى تعانى منه جميعها، هو المصالح الشخصية للكثير من السياسيين وبحثهم المستمر عن أدوار زعامية على نحو حال منذ فبراير 20١١ وما زال دون دمج الكيانات المختلفة فى كيان حزبى واحد قادر على المشاركة فى السياسة بفاعلية، والمنافسة الانتخابية بقوائم موحدة من المرشحين، بل إن مجرد التنسيق الانتخابى لمنع المنافسات البينية داخل المساحة الليبرالية واليسارية فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة أخفق بشدة وبتداعيات خطيرة.
مسئوليتنا وواجبنا الآن هما تجاوز المصالح الشخصية والتخلص من حسابات المصالح الحزبية الضيقة والالتزام إما بدمج سريع للأحزاب الليبرالية واليسارية فى كيان واحد، وإما بتنسيق سياسى وانتخابى متكامل مضمونه هو موقف مشترك من الدستور والمنافسة بقائمة موحدة من المرشحين فى الانتخابات القادمة بهدف الحصول على أغلبية المقاعد بالبرلمان، ومن ثم تشكيل هيئة برلمانية موحدة لليبراليين ولليسار. لدينا تقدير واقعى لحدود حضور وفاعلية الأحزاب المختلفة بعد اختبارات انتخابية متتالية، ونستطيع تجاوز اختلافات اليمين واليسار التقليدية بالتزام جماعى باقتصاد السوق المحقق للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. اللحظة الراهنة هى لحظة توحد وعمل مشترك لبناء بديل فى الحياة السياسية المصرية، بديل للإسلام السياسى ينافسه بقوة ولا يعاديه أو يقصيه. فالإخوان والسلفيون فى الجماعة الوطنية شأنهم شأن الليبراليين واليسار، والمنافسة لا تعنى الاستعداء، ولا نحتاج للقسم كل يوم على أننا ننافس الإسلام السياسى ولسنا ضده.
السبب الثانى لغياب بديل للإسلام السياسى هو مصيدة الإعلام التى وقعنا بها جميعاً، وتوهمنا أنها قد تغنى عن العمل الجماهيرى والسياسى المنظم على الأرض. دفعنا ثمناً باهظاً للوهم هذا وآن أوان التوقف عن المؤتمرات الصحفية
والندوات المنقولة تليفزيونياً، والعمل بين الناس بعزم ودون تنازل عن المبادئ. فنحن لا نمارس السياسة ولا ننافس فى الانتخابات باستغلال احتياج المواطنات والمواطنين للخدمات المعيشية والاجتماعية والاقتصادية، ولا نبحث عن مدخل لدور العبادة للترويج لأفكارنا (والعبث الذى يتداوله البعض
بشأن محاضرات لى أو لحمدين صباحى فى كنائس وأديرة غير صحيح، فالمحاضرات كانت فى قاعات اجتماعية ملحقة وليس بدور العبادة وحاضرت أيضاً فى قاعات مماثلة ملحقة بمساجد). هدفنا هو العمل الفعال بين الناس ولا نتقوقع لا
وراء أصوات المسيحيات والمسيحيين فقط، ولا نقبل الخلط بين الدين والسياسة، بل ننافس على كافة الأصوات وانطلاقاً من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، التى نبحث عنها جميعاً ونريدها لمصر.