كان للعرب استخدامات عدة للعسل الأسود، أولها غذاء للجسم، والثانية لعلاج أمراض المعدة والكُلى، والثالثة لقتل الخصوم، وذلك بدس السم فيه للتخلص منهم، فالتاريخ يقول «إن جعدة بنت الأشعث وضعت السم فى العسل لزوجها «الحسن بن على» بعد أن وعدها «معاوية» بزواجها من ابنه «يزيد» إذا خلت الدنيا من منافسه على الخلافة، وكان «الحسن بن على» مزواجاً «كثير الزواج» واختار للزواج جعدة التى ارتد أبوها عن الإسلام، فلا تزوجت يزيد ولا حافظت على خيمتها، وقال معاوية بعد أن وصله خبر قتل الحسن مسموماً «إن لله جنودا فى العسل».
وأبوجعفر المنصور اغتال أبوحنيفة النعمان بواسطة خادمه بدس السم له فى العسل، والتاريخ يقول إن الأمراء كانوا يقتلون خصومهم بوضع السم فى الدواء، فقد أمر معاوية الطبيب أن يضع السم فى دواء ابن خالد بن الوليد حتى لا ينازع ابنه يزيد الحكم، ونقل العرب عن الرومان الاغتيال «بالثوب المسموم»، حين أهدى قيصر الروم ثوباً مسموماً لإمرؤ القيس ومات به وتعلمها معاوية حين أهدى قيس بن الهيثم رداءً مسموماً فقتله. والقتل بالكلمة كالسم فى العسل، فالأول بطىء والثانى سريع، ونتائجهما مضمونة، وما زالت الأمة تموت من «كلمات العسل» وتتأخر بأحاديث «الوضاعين» الذين كذبوا لرسول الله وليس على رسول الله، ظناً منهم أنهم يخدمون الإسلام فى مشواره، فكانت الأحاديث التى شكلت عقل الأمة وأضرتها، فهذا حديث لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) - قال: (بُعِثْتُ بين يَدَى السَّاعة بالسَّيف، حتى يُعبَدَ اللهُ وحدَه لا شريك له، وجُعِلَ رِزْقى تحت ظلِّ رُمْحى) «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوها عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ» ولا أدرى كيف يتعارض هذا مع «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ» و«لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ»، وغيرها من آيات القرآن التى تجعل الإيمان عن اقتناع وليس جبراً، وهذا راوى الحديث أبوهريرة يروى عن النبى «ثلاثة أمناء على الوحى أنا وجبريل ومعاوية»، حتى ولاه معاوية إمارة المدينة.
هكذا أرهق الوضاعون الأمة بأحاديث موضوعة كالسم فى العسل، وظل التاريخ يحمل حروباً وقتلاً بين المسلمين وغيرهم دون عمل أو بناء. ماذا أنت فى هذا يا باسم؟ أنت كل هؤلاء تضع لنا السم فى العسل، وتلبسنا رداءً مسموماً، وتضع لنا أحاديثك ضاحكة أولها باكية نهايتها.
وأقول لك.. أنت تعرف أن المؤسسة العسكرية والشرطة كيانات قائمة على الاحترام والطاعة والالتزام بالأوامر، وتظل الأوامر مُطاعة طالما كانت شخصية القائد مُصانة وهيبتها ووقارها واحترامها محفوظاً، فإذا اهتزت هذه الشخصية وسخرنا منها وأصبحت لدى العامة والكافة محل ازدراء واستهزاء وسخرية، ضاعت الهيبة وفقدت الوقار، قل لى.. كيف يصبح قائداً مطاعاً وأمره نافذاً وهو محل استهزاء وسخرية مرؤسيه وعامة الناس؟
يا سيد باسم.. تضيع هيبة القيادة حين نجعلها محل سخريتنا وتسليتنا، ويسرى السم فى العسل مجرى الدم ويتمكن من القلب والعقل ثم ينهار الكيان الباقى فى الوطن، ويصبح انهيار جيشنا وقياداته أمراً مؤكداً.
انتبه: أنت تؤدى دوراً لا أحسبك فيه حسن النية، وأعلم أن كل الأمراء قُتلوا بالعسل إذا فاتهم أن يتذوقه من يقدمه ليضمن سلامته، فهل ستذوق معنا مرارته أم ستتركنا حين ينهار العمود والخيمة التى نستظل بها؟ ليس لنا وطن آخر فلقد اشترينا فيه مقابرنا لندفن فيه، احذر ما أنت فيه.