نحن نواجه فى الواقع صعوبات وتحديات جمّة فى التحوّل إلى دولة ديمقراطية حديثة، يتم فيها الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتتمتع فيها المؤسسات بفعالية اتخاذ القرار وبسلطاتها المحددة غير المنتهكة.
اتخاذ السيد رئيس الوزراء قراراً بوقف عرض أحد الأفلام (أمر مستحدث من رئيس وزراء) مثال بسيط على تصرفه كسلطة قضائية وتنفيذية معاً، ورد فعل شديد للقوى المعادية للحرية والديمقراطية على مطالبات وتفعيلات ثورة 25 يناير بهما.
المهندس محلب قال إنه لم يشاهد الفيلم ولكنه حكم وقضى ببطلان وإيقاف الفيلم ليس بناءً على معطيات فنية وقانونية محددة وإنما بناءً على طلبات أو على رؤية أحدهم أو توهم جماعة أوحوا إليه، وبعد قضائه بذلك نفّذه وحده باعتباره سلطة تنفيذية، متجاهلاً كبطل يجمع سلطات ويخترقها أن هناك مؤسسة مسئولة تعمل على تطبيق محدد للقانون، ولها سلطة المنح والمنع، فضلاً عن قضاء يمكن اللجوء إليه، تفعيلاً للديمقراطية.
بعد المنع خرج المتحدث باسم الحكومة قائلاً: «لا توجد حرية تعبير فى التعدى على التقاليد والأعراف والهوية»، والسؤال هو من يحدد التعدى أو التقاليد أو الهوية.. المهندس لمجرد أنه رئيس الوزراء، أم الدولة؟
كشفت أزمة هذا الفيلم بصورة مبسطة عن البنية الفكرية لقطاع فى المجتمع بما فيه مثقفون وفنانون يعوقون التحول الديمقراطى ولم يلتفتوا إلى هذا التداخل بين سلطتين أو إلى نصوص الدستور، وتقمصوا أدوار الفضيلة وشددوا فى حديثهم وبيوت بعضهم من زجاج عن بواعث أخلاقية للمنع، وهو أمر بفرض صحته فلا يعنى إلا اتخاذ السبل الديمقراطية لمنع الفيلم. ولفت نظرى كلمة عبرت للدكتور الببلاوى رئيس الوزراء السابق، أن الدستور المكتوب شىء والواقع شىء! أهكذا يفكرون ويخالفون الدستور؟!
وتزامن مع منع فيلم «حلاوة روح» لـ«هيفاء وهبى»، القبض على الفنانة الاستعراضية «سما المصرى» صاحبة إحدى القنوات، بتهمة إدارة قناة من غير ترخيص منذ شهور، شأنها فى ذلك شأن 56 قناة أخرى تعمل بلا ترخيص من مصر منذ سنوات، ومنها قنوات للنصب والإضرار بصحة المواطنين، إلا أنها وحدها من دون الـ56 صاحب قناة، هى التى تم القبض عليها وإيداعها الحبس وضربها!
وكان ذلك قد تم بعدما تعرضت بالسخرية لأحد المحسوبين على النظام القديم ويؤدى له حالياً، ومدافعاً، خدمات معتبرة، ويقول مدير أمن الجيزة: «إنها عملت على التشهير بالأشخاص!».
وهى تعرّضت كذلك من قبل لكثيرين، منهم رئيس الجمهورية السابق ونائب رئيس الجمهورية السابق، إلا أنه لم ينلها شىء من الغضب مطلقاً من قبل، ثم إن قوة الشرطة وصلت إلى مكتبها فى الرابعة، وبسؤالها لهم، لم يكن معهم إذن نيابة، ثم نزل بعضهم وعاد بالإذن المحدد به الساعة السابعة!
لماذا فعلت الحكومة ذلك مع هذه الفنانة فى هذا التوقيت تحديداً؟ مع علمها أن القنوات التى تبث من خارج مصر لا تخضع للقانون المصرى؟
فى حالتى الفيلم و«سما»، أستبعد براءة الحكومة من الغرض أو الإخلاص وأرى الترهيب والعمل لإعادة علاقات متهالكة فى وقت تمرر فيه قرارات أخطر!