كلنا نعرف أن ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، له أتباع ومريدون بأعداد هائلة، لأسباب باتت معروفة، والأمل أن تغتسل مصر من أدرانها قريباً، بإذن الله، ولنتوقف أمام «أحدث» فتاوى الرجل، الذى لا أدرى، إلى أى فصيل إنسانى ينتمى، وهو يعلن دون أن يرمش له جفن، مصرى، أو عربى، أو حتى إنسانى، فيقول: إن «الزوج» عليه أن «يأخذ ذيله فى أسنانه ويجرى»، إذا ما شرع ذئب بشرى، أو ذئاب بشرية، فى محاولة اغتصاب زوجته!! النصيحة البرهامية هنا، هى، انفد بجلدك وسيبك من «الخرافات» التى نشأت عليها فى مصر، مثل: الشجاعة والإقدام والشهامة والنخوة والقيم النبيلة، الأصيلة!! اترك زوجتك، أى عِرضك وشرفك، واجرِ، إنقاذاً لحياتك، الغالية، التى لا أفهم كيف سيمارسها بعد نذالته تلك، بل وكيف سيجرؤ على رفع عينيه فى حضرة «الضحية المغتصبة»، أو فى عين أى مصرى، شبّ وشاب على قيم ومبادئ لم يُلوثها، من تصدروا المشهد باسم «الإسلام».. وقياساً على هذه الفتوى الغريبة، فإن التيار الذى يمثله «برهامى»، والذى يرفض الوقوف احتراماً، أثناء عزف السلام الوطنى، سيتفادى مواجهة أى من أعداء الوطن، ولن يسمى ذلك جبناً أو خيانة أو خسة، لا سمح الله، بل «إنقاذاً للحياة وفوزاً بالنجاة»، ولا تقُل لى «وطن وتضحيات وشرف وعرض وشهامة ونخوة.. إلخ» فتلك مفردات ولّى زمانها «العلمانى القومى الكافر!».. وحادث استشهاد ضابط الشرطة الشاب الذى استشهد وهو يدافع عن عرض امرأة اختطفها عدد من السفلة لاغتصابها، ليس ببعيد، وإذا ما سألت أحد مريدى «برهامى» عن تصرف البطل الشهيد، فالجواب سوف يتطابق مع رؤية «برهامى»، العاقل الحكيم، بأنه ما كان له أن يجازف بحياته لنجدة امرأة وقعت فى أقسى أنواع المحَن، فما بالك وهى ليست «زوجته»، التى أفتى «برهامى» بتركها فريسة للذئاب البشرية! «ونعم الرجال!!». وقبل أن تهدأ العاصفة التى أثارتها فتوى «برهامى» المدمرة للهوية المصرية، قذف وجوهنا بفتوى جديدة تقول: «إنه لا يجوز قتل الزوجة وعشيقها لمجرد وجودهما عاريين معاً؟!» فالعرى فى رأى «برهامى» ليس قرينة قد تصل إلى حد الدليل، إنما ما يستوجب الشك والتحريض على القتل، هو «الاختلاط» بكامل الملابس، وسواء كان الشاب والفتاة، أو الرجل والمرأة، جالسين فى عز الشمس، على مقهى أو فى حديقة عامة، وإطلاق حرية بعض من شوهتهم حقبة توارى الأزهر، بل والأدهى، تسرب مفاهيم السلفيين إلى مناهجه، فى «تقويم المنكر» حتى بالقتل، كما جرى لشاب كان مع خطيبته فى أحد الأماكن العامة بالسويس العام الفائت.. لكن «برهامى»، المتسامح إلى درجة مذهلة مع العُرى، يعتبر «العرى» دليل فضيلة، و«بلاش سوء نية، ونفسَنة يا جماعة»، ألا يمكن أن تكون الزوجة وعشيقها يراجعان درساً فى تشريح جسم الإنسان؟ أو أنهما، مثلاً، قد خلعا كل ملابسهما، كلها.. كلها، لشعورهما الرقيق بوطأة حر خانق، ولا تقل لى إننا فى فصل الشتاء.. أو أى مبرر، بعيداً عن «الشروع فى زنا»، ووفق المنهج البرهامى، حبيبك يبلع لك الزلط.. ولا يكف «برهامى» عن هوايته الأثيرة فى التكفير، علماً بأنه لا يستطيع الكشف عن الضمير والقلب، المغلفين بغطاء ربانى، لا يعلم ما بداخلهما سوى الخالق، عز وجل. المثير للاندهاش هو حجم المساحة التى يكرسها الإعلام لمثل هذه المفاهيم، التى تستهدف الهوية الوطنية المصرية، فى الأساس، وقِس على ذلك مثلاً، الاحتفاء المهول بـ«فنانة» تعتزل السينما بصفتها رجساً من عمل الشيطان، و«التبرؤ» من أعمالها فيها، مما يُخدم على المشروع الإخوانى، بالقضاء على قوة مصر الناعمة، أى آدابها وفنونها، والفن السابع من أقوى أسلحتها فى هذا المجال، إضافة إلى أن السينما صناعة فى غاية الأهمية. كما دلل على ذلك اهتمام الاقتصادى المصرى العظيم، طلعت حرب، باختراع الأخوين «لوميير» العبقرى.. وما زال الوطن العربى، بل ودول أخرى فى العالم، تتغنى بالإبداع المصرى الرفيع وإسهامه التنويرى، وترصع أسماء مخرجين ونجوم وفنيين مصريين صفحات الباحثين السينمائيين، وهو ما كان أعداء هذا الوطن يستهدفونه، لأنه الجزء المضىء فى هوية، استعصت، وستظل مستعصية، على مخططهم الشرير.