كنت صغيراً أقرأ مغامرات «الشياطين الـ13» وألغاز «المغامرون الخمسة».. ثم أتخيل نفسى بطلاً ينقذ وطنه من المتآمرين والأعداء.. كبرت قليلاً، فقرأت لأنيس منصور وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ.. فآمنتُ بالعلم والمعرفة، وامتلأتُ بحب الناس.. كل الناس!
كبرت أكثر.. فأبحرت بين أمواج الكلمات من كل صنف ولون، فأدركت أن كل ما قرأت، سواء بطولات المغامرين، أو رحلات أنيس منصور، أو رومانسية «عبدالقدوس»، أو واقعية «محفوظ»، أو علوم ومعارف الدنيا.. كلها تعنى شيئاً واحداً: أن أكون إنساناً.. أن أعيش محترماً وأموت محترماً.. ثم كبرت أكثر وأكثر، فأصبحت أسأل نفسى الآن: لماذا يستكثر علىَّ البعض أن أعيش محترماً، وأموت محترماً؟!!
.. «يقول الناس إنك خنت عهدى.. ولم تحفظ هواى ولم تصنّى».. يقول البعض إننى انقلبت على المشير السيسى، حين كتبت مقالاً بعنوان «السيسى.. والذين معه».. وفى ذلك تأكيد لظن يراودنى منذ فترة طويلة.. فقد ثبت لى أن لكل عصر «دراويش»، يحترفون الانخراط فى حلقات الذكر، حول مقام وشيخ صنعوه -غالباً- فى خيالاتهم..!
مبدئياً.. لن ينجح «دراويش» السيسى فيما فشل فيه «دراويش مبارك ومرسى».. فلست ممن يهتزون خوفاً من هجوم أشخاص يجتزئون من كلامى ما يناسب هواهم.. ففى مقالى المنشور على نطاق واسع، سجلت اختلافى مع مقولة الأستاذ «هيكل»: «السيسى مرشح الضرورة، ولا يحتاج لبرنامج انتخابى».. وما زلت مُصراً على أن هذا المفهوم «الهيكلى المنتمى لماضٍ سحيق» يصيب «المشير» بضرر بالغ.. لذا قلت إن عبارة «مرشح الضرورة» تعيدنا إلى حالة «عاصرى الليمون»، وأنا أربأ بـ«السيسى» عن ذاك، ولأن «الدراويش» جهلة بالضرورة، أو مغرضون غالباً، فقد صوّروا للناس على شبكات «التواصل الاجتماعى» أننى أطالب بـ«عصر الليمون» واختيار «السيسى».. وفى ذلك جهل على جهل.. وإغراض فوق إغراض..!
أحب «السيسى».. نعم.. لكننى لست «درويشاً» ولن أكون.. أؤيد «السيسى» حتى الآن.. نعم.. لكن لم يكن بينى وبينه عهد كى أخونه.. فالعهد بينى أنا و«السيسى» وأنت وبين مصر.. وليس لمثلى أن يجلس تحت قدميه.. وإن كان شرفاً لى أن أغسل أقدام وطنى كل صباح ومساء بالماء والورد.. وليس فى ذلك شىء يغضب «السيسى».. غير أن «الدراويش» يحاولون تصويره «إلهاً».. وقطعاً هو لا يحب ذلك.. فإن كان واعياً، فليس أمامه سوى احتقارهم.. وإلا كيف سيحكم بلداً مثقلاً بالهموم والمشاكل، دون أن يتحمل نقداً، أو يضيق صدره بـ«فورة الشباب»؟!
حبى لـ«السيسى» وتأييدى له مختلفان عن نفاق «الدراويش»، وحمَلة المباخر، والمتطوعين بـ«التقارير»، كلهم اعتادوا خلع ملابسهم على أبواب «الحاكم».. أى حاكم.. «مبارك» زى «مرسى» زى «السيسى».. لا فرق عندهم، سوى فى حجم «الغنائم».. وأنا أعرف بالاسم من كتبوا التقارير تطوعاً ضدى.. ولم أغضب منهم، فليس منطقياً أن تلوم «جيفة» على عفن رائحتها..!
ولـ«الدراويش» مع كل «حاكم» طريقة، تماماً مثل مجاذيب الأضرحة.. ففى عصر «مبارك» كنت عدواً للاستقرار بين أقلام «دراويش الرئيس العتيق».. وحين انتقدت ممارسات بعض القوى الثورية، أصبحت فى نظر «6 أبريل» والتيار الشعبى وأنصار «حمدين صباحى» خائناً للثورة.. وفى معركتى الشرسة ضد استبداد وفاشية «الإخوان»، صِرت كافراً بالدين.. واليوم، تجرأت على انتقاد حملة «السيسى»، فاتهمونى بخيانة الوطن..!
أى جنون هذا.. هل بات الاستقرار حكراً على «مبارك».. والثورة حكراً على «6 أبريل».. والإسلام حكراً على «الإخوان».. والوطنية حكراً على «السيسى والجيش»؟!
.. يا سادة، أنا وأنت يمكننا العيش فى وطن أفضل من «ثلاجة مبارك».. أنا وأنت نفهم الإسلام أفضل من «الإخوان».. أنا وأنت ثائرون بالفطرة، ولا ننتظر شهادة «الثورة» من أحد.. وأنا وأنت وطنيون مثل «الجيش» لأنه يحمينا، ونحن نُؤمِّن ظهره..!
.. يا أيها «الدراويش».. لن يفيدكم ابتزازى.. فسوف أعيش محترماً، وأموت محترماً.. ثم إن «الرجولة مالهاش قطع غيار»..!