فى أوروبا والدول المتقدمة يوجد تحديد واضح لصلاحيات كل منصب، ومواصفات الشخص الذى يمكن أن يشغله، بحيث يستطيع ولى الأمر أن يضع الرجل المناسب فى المكان المناسب. فلا معنى لأن تختار شخصاً معيناً لمنصب دون أن تحدد صلاحياته، إلا فى مجتمعات «الواق الواق». «والوقوقة» كما هو معلوم مبدأ أساسى من مبادئ الموظف المصرى الذى يهوى عدم تحديد صلاحيات الجهاز المعاون له، حين يجد نفسه مضطراً إلى تعيين أفراده، فى الوقت الذى يصنع فيه القرار فيها بمشورة آخرين، حتى ولو كانوا أصحابه أو أفراد شلته أو أهله وعشيرته!.
أقول ذلك بمناسبة الخبر الجلل الذى تداولته وسائل الإعلام منذ يومين عن عقد لقاء بين نائب رئيس الجمهورية المستشار «محمود مكى» والسفير السعودى بالقاهرة، لبحث أوضاع المصريين المحتجزين فى السعودية، وذلك بعد مضى ما يقرب من شهر على تعيينه فى منصب النائب، لم نسمع فيه أن الرئيس كلفه بإدارة ملف معين، أو أوكل إليه القيام بمهمة محددة، أو كلفه بزيارة دولة ما، أو وجهه للتعامل مع مشكلة، وذلك على الرغم من أن المستشار محمود مكى من القامات السياسية والقانونية المهيبة التى يصح الاستفادة منها فى إدارة العديد من الملفات، ويمكن أن يكون يداً أخرى تصفق مع يد الرئيس.. «وإيد لوحدها متصقفش»!.
لقد خرج علينا الدكتور ياسر على -بعد يومين من تعيين النائب- ليخبرنا أن الرئاسة بصدد إصدار بيان يحدد الصلاحيات المخولة له خلال أيام، ومضت الأيام، وها هى الأسابيع تتوالى دون أن تتكرم علينا الرئاسة بهذا البيان، إلى حد أن بعض الخبثاء فسّروا هذا السكوت بأنه علامة «رضا» من جانب صانع القرار على عدم تحديد صلاحيات معينة للنائب، وترك الأمور تسير هكذا لغاية ما ربك يعدلها!. وقد يكون من المشروع أن نسأل: كيف يدير الرئيس مرسى هذا الكم من الملفات الداخلية والخارجية التى تثقل كاهله بمفرده، دون أن يفكر فى الاستعانة بنائبه؟.
بصراحة العبء الملقى على كاهل الرئيس يفوق طاقة أى إنسان، ومؤكد أن الرئيس مرسى لا ينهض به بمفرده، بل يستعين فى ذلك بمن يساعده بتقديم رأى أو اقتراح أو مشورة أو نصح. واختفاء دور المستشار «محمود مكى» فى هذا السياق أمر يثير الحيرة، إلا أن يكون هناك نائب فى الظل يعاون الرئيس فى إدارة شئون الدولة!، وأن هذا النائب الشبح يختفى وراء النائب الحقيقى «المستشار مكى»، ويقوم بدور فاعل فى صناعة القرار!. وإذا كان ذلك كذلك فما الذى منع الرئيس من تعيينه بصورة مباشرة -وهذا حقه- بدلاً من هذه اللفّة الطويلة العريضة؟!.