أنا من هؤلاء الذين كانوا يوماً ما يهاجمون هذا الشعب وكأننى لست فرداً منهم.. وصمتهم يوماً بأنهم شعب عبيد يعشق الذل، ويجد فيه متعة، لأنه صبر على الظلم ولم يثر إلا بعد فوات الأوان.. كنت أنظر لهم نظرة تعالٍ، لأننى من الذين ثاروا ضد مبارك ونظامه، رافضة كل أنواع الظلم والفساد والفقر والجهل الذى عانى منه الشعب فى عهده، رغم أننى لم أعان من الظلم فى عهده، بل كنت من المرفهين بفساد نظامه والمحسوبية، لكن عندما نظرت إلى حال بلدى التى أصبحت تكية لنظامه ولابنه، وأيضاً حال مَن حولى من البسطاء، قررت أن أشارك فى ثورة يناير، ووقتها كنت أنظر للشعب نظرة تعالٍ.. نظرة تقول إننى كنت على وشك أن أضحى بحياتى من أجلكم، وأنتم صامتون خائفون من غشم نظام مبارك، متناسية تاريخ كفاح هذا الشعب العظيم ونضاله ومقاومته للاحتلال ولكن بعد ثلاث سنوات من ثورة يناير.. قررت أن أعيد النظر فى هذا الشعب الذى أنا منه.. رأيت أنه لا بد أن أنحنى احتراماً وتقديراً لهذا الشعب وأعتذر له عما بدر منى ضده بعد رصدى لعدة عوامل وأسباب قوية جعلتنى أخجل من نفسى.. اكتشفت أننى كنت قاسية جداً على هذا الشعب المطحون المقهور الحزين الذى كنت ألقبه بشعب «تسلم الأيادى» نظراً لرقصهم على هذه الأغنية.. كنت أرى رجالاً ونساءً وأطفالاً بمختلف أعمارهم يتراقصون ويتمايلون على نغماتها فى أى مكان، سواء فى شارع أو حارة أو مناسبة، غير مبالين بنظرات الآخرين لهم، حينئذ أدركت أننا شعب غلبان من كثرة أحزانه ومرارة أيامه، قرر أن يتشبث بأى لحظة فرح يمكنها أن تنسيه هذه المرارة والقهر.. اكتشفت أن سيكولوجية الشعب المصرى تقول إنهم يحبون الشخص القوى، وأنه عندما يحبون، فإنهم يحبون بقوة، ويتحملون المر من أجل من أحبوه، ولكن عندما يفيض بهم الكيل منه، يتحول هذا الحب إلى بركان غضب ثورى لا يقاوم بمعنى: «اتقِ شر الحليم إذا غضب».
ومن هنا يجب على أى حاكم أن يتقى شر هذا الشعب إذا غضب، لذا أطالب كل من أساء إلى هذا الشعب بأن يعتذر له، وبأن يحترموه ويقدروه، هذا الشعب الذى كنا نهتف باسمه، ونقول الشعب يريد دون أن يفوضنا.. والآن أصبحتم تتذمرون، عندما نجد من يتكلم باسمه، ثم تقولون له: «إنت مين إنت عشان تتكلم باسم الشعب؟».. هل سألنا أنفسنا أولاً: من نحن حتى نتكلم أيضاً باسمه؟!!.. الشعب ضحية لحكام استغلوا حبهم لهم وخوفهم منهم.. ارحموا الشعب وكونوا أكثر رأفة بهم، ولا تكونوا أكثر بطشاً من حكامنا لهم.. ساعدوهم.. قوموا بتوعيتهم.. احنوا عليهم، فهذه هى الثورة الحقيقية.