آلمنى خبر، تم تكذيبه بعد ذلك عن وفاة شعبان عبدالرحيم، الذى حقق لمواطنيه فى أولى سنوات القرن، بأغانيه الجديدة فى شكلها وكلماتها، لحظات سعادة وبهجة ودهشة لا تنكر، وكان ظاهرة لافتة رغم تواضع المستوى الفنى.
وقتها وزع حوالى ستة ملايين نسخة من أحد شرائطه، وكان الجميع من الحارة وحتى الجامعة الأمريكية يسمعه، رغم أن جمهوره الرئيسى هم الناس اللى تحت.. محدودو التعليم لا محدودى الوعى.
لفت المغنى النظر بصدقه ولحنه القادم من القرن 19. استضافوه حينها فى نادٍ أرستقراطى وأعطوه ورقة ليغنى الكلمات المكتوبة فيها، فأعلن أنه لن يستطيع لأنه لا يقرأ.
كان المؤسف أن البعض يسخر من ذلك، رغم أن نصف الشعب لا يقرأ ونصفه الآخر مسئول عن ذلك. وقتها بدا أن الطبقات التى لم يقصدها بغنائه تختطفه لتتسلى به وبتعليقاته وبزيه الغريب وبعمله السابق كمكوجى وبأميته التى لم يخفها، وأظهرت هذه الطبقات لا إنسانية ناضحة بالقسوة والأنانية والتعالى، بينما ظل هو على صدقه وبساطته العفوية وطيبته المصرية الظاهرة كابن بلد أو صنايعى أو عامل أو فلاح أو عموماً كفقير: (مش قادر أسكت ولا أبلم عالإعلانات أنا حاتكلم/ فى كل ثانية نشوف إعلان والناس يوماتى بتتألم) ويصرخ (فيه ناس عشاها يادوب دقة لاشافوا سمكة ولا سجقة).
ولأنه يعود منهكاً كحرفى يعمل طول النهار وجزءاً من الليل فينام سريعاً، لذا يتمنى الراحة والنظافة والصحة: (أتفرج عالمسلسل واشرب لبن عصير/واغسل بالليل سنانى وأريح عالسرير)، وكانت أقصى أمانيه (حابطل السجاير واشرب شاى خفيف وأغذى نفسى وآكل حمام وبط/نتعشى جبنة رومى ونحلى بالجاتوه).
لم يتغير رغم الشهرة والمال الذى هطل عليه، ولم تكن شخصيته فقط هى التى جذبت الناس له، بل كان موضوع أغانيه التى من المؤكد أنه يشارك فى معناها بل ويحدد موضوعات بعضها، فضلاً عن خفة الدم والسخرية الشعبية فى تناول الموضوعات التى توضح صفات ومنهج المصرى:
(طول عمرى طبعى حامى وماحبش سيم وجيم/مش كل يوم حكاية واسمع كلمتين/أتأخر بره فى شغلى ماتقولش ليه وإزاى/ويادوب أول مااتغدى ألاقيك حضرت الشاى).
هذا ليس كلام أغانٍ بالمعنى الذى يقصده المصريون ساخرين من المبالغة والكذب، بل تعبير صادق وواقعى عن المصرى وعلاقته بامرأته: (عاوز تسيبنى سيبنى هتعيش معايا عيش/مايغركش الحكاوى والجاكت والقميص). ثم يتهكم على الأغانى العاطفية الشكاءة: (ماحناش هنود ولا تراكوة وكل يوم نشتكى شكوى). ويربط شكواه من الفن بأمر يؤرقه وهو سقوط طائرة أمام السواحل الأمريكية تحمل عدداً من الضباط المصريين ولكنه يُلمح ولا يزيد لأن الأمر سياسى:
(غٌلبنا م الفن ياتانتى / ألاقيها منه يا ناس ولا م المحيط الأطلنطى/ كام طيارة فى قلبه بلعها ماقدرش حد يطلعها).
ويبدو خوفه واضحاً أيام مبارك خلف إعلانه: (أنا باكره إسرائيل أقولها لو أتسئل/إن شالله أموت قتيل أو أخٌش المعتقل).
يعلم أن رأيه معارض للرأى الرسمى، ومتأكد هو من نتيجة الحديث فى السياسة: سيُسأل ويدخل معتقل (لا سجن) ثم يُقتل كما حدث لسعد إدريس حلاوة وسليمان خاطر ومحمود نور الدين.