انتهت ثورة 25 يناير إلى جريمة بحق الطبيعة، راح ضحيتها محصول أشجار الليمون فى صيف 2012، عندما أقبل الملايين من الناخبين على شرائه بكثافة صبيحة يوم الانتخابات الرئاسية، ووقفوا فى الطوابير، كل واحد يمسك بليمونة ويقسمها إلى نصفين ويعصرها على رأسه، قبل أن يدلى بصوته لمصلحة الإرهابى محمد مرسى وجماعة الشيطان. واستغرقنا الأمر سنة كاملة لنعوض خسائرنا فى محصول الليمون، ونعيد الجماعة الإرهابية إلى مكانها الذى يليق بها: السجن.
وبعد عامين على مذبحة الليمون، يستعد الملايين لمذبحة جديدة لن يدفع ثمنها سوى الليمون أيضاً، مع فارق وحيد: أن العاصرين هذه المرة سيكونون من الطرفين، ليمون معصور على رؤوس ناخبى عبدالفتاح السيسى، وليمون معصور على رؤوس ناخبى حمدين صباحى.
لا يبدو السيسى خياراً مناسباً للثوريين والنخبة وقطاعات ليست قليلة بين الشباب ومواطنى الطبقة الوسطى، نظراً لخلفيته العسكرية التى تجعله، فى نظرهم، الرجل الذى استرد ميراث مبارك بعد أن فقدته المؤسسة العسكرية 3 سنوات، ويضيفون إلى موقفهم الرافض له، بوادر قمع للحريات، وتقرباً من رجال الأعمال، وتجييشاً لمؤسسات الدولة، كما يلمحون بين تصريحاته تناقضاً فجاً، فهو يتحدث عن الفقراء كثيراً، لكنه فى الوقت نفسه يبدو ميالاً إلى تطبيق برامج اقتصادية تطحن الفقراء.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو قطاع من الثوريين والنخبة مضطراً إلى عصر الليمون وانتخاب السيسى، بعد أن تذوقوا مرارة طعم الديمقراطية وفداحة ثمنها، واستحالة إقناع الشعب بها، فقرروا التصويت تحت شعارات: «الأقل ضرراً.. الأكثر استقراراً.. الأمن أولاً»، لذلك رأينا مناضلين أصحاب تاريخ نضالى حقيقى وليس إلكترونياً، يعلنون تأييدهم للسيسى رئيساً، ومن يدقق فى صورهم سيلمح بالتأكيد انتفاخاً صغيراً فى الجيب أو الحقيبة.. إنها الليمونة التى يخبئها.
ولا يبدو «صباحى» خياراً مناسباً لقطاعات كبيرة من «الشعب» والنخبة والثوريين والشباب، نظراً لوصمة العار التى لا تزال تلاحقه عندما تحالف مع الإخوان عقب إسقاط مبارك مباشرة، ويرى الشعب أن الرجل الذى انخدع فى الإخوان وافترض فيهم النية الحسنة لا يمكن منحه الثقة مجدداً على كرسى الحكم، ويضيفون إلى ذلك أن لغة خطابه متعالية على العامة رغم أنه يفترض فى نفسه المدافع عن حقوقهم، ويلمحون فى تصريحاته غزلاً غير عفيف لفئات وجماعات صار الشعب يعتبرها عدواً.
وعلى النقيض من ذلك، يرى قطاع آخر من الشعب والثوريين والنخبة، أن حمدين هو الخيار الاضطرارى الأخير، لانتخاب رئيس ينتمى إلى الشعب لا إلى رجال الأعمال أو المؤسسة العسكرية، ويرونه الملاذ من عودة دولة القمع بعد أن كشرت الشرطة عن أنيابها مجدداً مستعينة بترسانة من القوانين التى صيغت تحت ستار مكافحة الإرهاب، ولأنهم لا يقتنعون كاملاً بهذا المنطق وبجدارة حمدين، فقد جهزوا الليمون مسبقاً.
عجيب أمر بلادنا، نبدأ ثوراتنا بدماء مسفوكة وأجساد معصورة تحت عجلات المدرعات والسيارات الدبلوماسية، ثم ننهيها بثمرات ليمون معصورة فى طوابير الانتخابات.