اكتشفت الحكومة الفرنسية أن حوالى خمسمائة من الفرنسيين من أصول عربية، خصوصاً من شمال أفريقيا، سافروا للجهاد فى سوريا، وذلك حين تقدمت أسرة فرنسية عربية الأصل ببلاغ إلى السلطات الفرنسية تفيد أن أحد الجهاديين الذين سافروا إلى سوريا قد لحقت ابنتهم ذات الخمسة عشر ربيعاً للزواج به هناك، متهمين إياه بالتغرير بابنتهم القاصر والزواج بها دون السن القانونية، عند ذلك فقط أفاقت فرنسا على هذا العدد الكبير، الذى سافر للقتال فى سوريا، يعادله أيضاً نفس العدد تقريباً من كل دولة من الدول الأوروبية، ويزيد العدد كثيراً من أمريكا، والأكيد أن هذه الدول سوف تُعانى من العائدين إلى بلادهم كما عانت الدول العربية من عودة العرب الأفغان أواخر القرن الماضى، وما زالت آثارهم السيئة من أفكار رجعية وتكفيرية تعانى منها حتى الآن، فلم يكن لديهم القدرة، بعد عودتهم، على الفهم أو الحوار أو الاقتراب من أفكار الغير أو الآخر، فلقد أدمنوا القتل كوسيلة لحل الخلاف وقسموا المجتمع إلى كافر ومؤمن، ودار حرب ودار إيمان، ولم يكن لديهم استعداد للانخراط فى المجتمع الجاهلى «كما يظنون» إلى جانب أن القتال هو العمل الوحيد الذى تدربوا عليه وأتقنوه وليس غيره. سيعود الجهاديون والتكفيريون من سوريا إلى بلادهم قريباً، بعد أن تخلت أمريكا وكثير من الدول العربية عنهم والتى عرفت أن مصير بلادهم سيكون تحت رحمة سلاحهم حين عودتهم، وأؤكد أن العالم سيترك بشار ينتصر عليهم ويعيد مجده وعنفوانه، فلقد أصبحت رحى الحرب تدور لصالح بشار ونظامه، لأنهم قد علموا الآن أن سطوة وديكتاتورية بشار أخف وأرحم مئات المرات من ديكتاتورية وفاشية هذه التيارات التكفيرية فى سوريا، والتى خربت البلاد وأرهقت العباد باسم الدين، وما الصراع والقتال الدائر الآن فى سوريا بين «داعش وجبهة النصرة» وقتل المئات من الجهاديين التكفيريين إلا دليل قاطع على أن الخلافات حتى فيما بينهم يحكمها منطق القتل والتصفية الجسدية فما بالك حين يعودون إلى أوطانهم ويختلفون فكرياً مع شعوبهم العُزل من السلاح. والتاريخ يعيد نفسه، فما حدث من حرب واقتتال بين الجهاديين فى أفغانستان بين فصائل أحمد شاه مسعود وبرهان الدين ربانى وحكمتيار وغيرهم بعضهم ضد بعض على جبال أفغانستان حصدت من أرواح الأبرياء من الأفغان أكثر مئات المرات مما حصدت الحرب بينهم مجتمعين ضد الروس، وحكومة نجيب الله فى ثلاثة عشر عاماً هى عمر قتالهم مع عدوهم، وما يدور الآن من قتل آلاف الأبرياء فى العراق نتيجة الصراع بين المذاهب الإسلامية «الشيعة والسنة» هو نتاج هذا الفكر الذى زرعته هذه الجماعات العائدة من أفغانستان، كل هذا يجعل العالم يُعيد حساباته فى تعامله مع عودتهم إلى بلادهم.
مطلوب إخضاع كل هؤلاء العائدين من سوريا إلى الرقابة بعد التشديد عليهم فى الدخول إلى الوطن مرة أخرى، ومراقبتهم ووضعهم حين وصولهم فى معسكرات جادة لإعادة تأهيلهم للحياة، والانخراط فى المجتمع مرة أخرى بواسطة علماء نفس ورجال دين وسياسيين وحزبيين مخضرمين، على أن يتعهدوا، قبل إطلاق سراحهم، بالالتزام بالقوانين والأعراف والانخراط فى الحياة المدنية التى غابوا عنها، وعودتهم مرة أخرى إلى الزمن الذى نعيشه بدلاً من الانخراط فى سراديب الماضى السحيق، إضافة إلى التزام أولياء أمور الشباب منهم بالتزام أبنائهم بالقوانين والدستور ونظام الدولة.
وعلى الدولة وأجهزتها المعنية الانتباه إلى هذا الخطر الأكبر المقبل إلينا من سوريا.