تحتاج تجربة تدريس «حقوق الإنسان» فى الجامعات المصرية إلى مراجعة جادة من كافة المسئولين والمثقفين. فمن تجربتى الشخصية فى تدريس المقرر، أعتقد أنه حان الوقت لتطوير خطة الدولة لنشر ثقافة حقوق الإنسان التى عبّر عنها المجلس القومى لحقوق الإنسان وقرار المجلس الأعلى للجامعات باستحداث مقرر إجبارى لحقوق الإنسان على طلاب الجامعات.
وبدون الخوض فى أوجه القصور الكثيرة فى المقررات الحالية، فإننا فى حاجة إلى «برنامج تعليمى وطنى» يساعد الطلاب وهيئات التدريس على الربط بين التخصصات الجامعية المختلفة وبين مواثيق الشرف والنزاهة ومعايير الإتقان فى مجالات العمل المختلفة، ويسهم فى التمسك بثقافة الحفاظ على الحقوق والالتزام بالواجبات فى كافة أوجه الحياة، وذلك بمنظور وطنى خالص ينسجم مع القيم العربية والإسلامية ولا يتجاوز فى الوقت نفسه الإنجازات المعاصرة. ولأجل طرح الموضوع للنقاش العام، أقترح ما يلى لتطوير هذا البرنامج:
أولاً: مشاركة كل الأطراف ذات الصلة كوزارتى التعليم والثقافة والجامعات والمنظمات الحقوقية والأحزاب والمنظمات الأهلية والمدنية فى صياغة أهدافه ومضامينه وسبل تنفيذه، والانفتاح على المنظمات الحقوقية الدولية، ووضع آليات محددة لضمان استمرار التنسيق بين هذه الأطراف. ويجب هنا الاستفادة من نتائج الرسائل العلمية ذات الصلة وتوصيات ورش العمل التى عقدتها المنظمات الحقوقية والبحثية، والتوقف عن النقل من التجارب الأجنبية فقط.
ثانياً: إضافة الرؤى السياسية والتربوية والفلسفية إلى النظرة القانونية السائدة الآن فى المقررات، أى قيام البرنامج على ثلاثة جوانب تعتمدها معظم الجامعات الحديثة: الجانب «المعرفى» الذى يتضمن التعريف بحقوق الإنسان وأنواعها وآليات حمايتها ومواثيق الشرف والنزاهة فى المجالات المختلفة، والجانب «القيمى» الذى يتصل بغرس القيم والاتجاهات التى تُعلى من شأن ثقافة التمسك بالحقوق وتحمل المسئوليات والالتزام بأبجديات الجودة والإتقان وكل ما من شأنه التمسك بهذه الثقافة. ثم الجانب «السلوكى» الذى يهتم بربط المعارف والقيم المكتسبة بالواقع المعاش ليس فقط على المستوى السياسى العام وإنما كذلك داخل الأسرة والحى والجامعة وأماكن العمل، وذلك بترجمة تلك المعارف والقيم إلى سلوك مستمر للتمسك بالحقوق والواجبات ومواثيق الشرف والنزاهة والتدريب على آليات الدفاع عنها على كافة المستويات. ومن تجربتى لمست اهتمام الطلاب بالأنشطة التطبيقية التى تتعلق مباشرة بحياتهم فى الأسرة والحى والجامعة.
ثالثاً: لضمان جدية الطلاب والأساتذة معا هناك جملة من الأمور أهمها: التأكد من كفاءة القائمين على التدريس واستمرار مواكبتهم لأحدث طرق التدريس وأدبيات حقوق الإنسان، الاستعانة بالممارسين فى التدريس، تطوير الكتب الجامعية التى تهتم بالجوانب المعرفية القانونية فقط، التخلى عن أسلوب التلقين، تضمين المقررات أنشطة تدريبية وزيارات ميدانية، اعتماد طرق التفكير النقدى البنّاء، مواءمة الموضوعات لأفرع المعرفة المختلفة الإنسانية والاجتماعية والطبيعية، احتساب درجات المقرر فى المجموع النهائى.
رابعاً: تأصيل قيم حقوق الإنسان فى الثقافة العربية الإسلامية، وإبراز نقاط الاتفاق بين هذه الحقوق والإسلام والتركيز على طابعها الإنسانى المشترك، مع الاعتراف بوجود نقاط اختلاف بين الثقافات والتعايش فى ظلها. فالاختلاف من ثوابت الخلق وفى القرآن الكريم: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» (118، هود). والاختلاف لا يتناقض مع تعاون الناس على اختلاف رؤاهم ومعتقداتهم، وهو من مقتضيات إعمار الكون وتنافس البشر وتكاملهم.
خامساً: لزرع المصداقية فى نفوس الشباب وإزالة التناقض الذى يعبّر عنه الطلاب بمجرد سماعهم عن مقرر لحقوق الإنسان، لا بد من إنهاء التناقض بين المطالبة بنشر ثقافة حقوق الإنسان وبين انتهاكات الحقوق فى الواقع بالإسراع فى عملية وضع الدستور وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية.
وأخيرا لا يجب التقليل من شأن أى عملٍ يُقربنا من مقاصد هذا البرنامج، فما لا يُدرك كله لا يُترك جُله.