بعيداً عن النقد الموضوعى للمرشحين الرئاسيين، وبعيداً عن المقتنعين بالمشير عبدالفتاح السيسى، بناءً على أسباب تبدو منطقية، توجد شريحة كبيرة من المنافقين المتطوعين الأغبياء، وقطاع كبير من الشعب الذى يشتاق إلى صناعة ديكتاتور. هؤلاء هم الذين يفتحون النار على حمدين صباحى وكأنهم يريدونه أن يعلن انسحابه أو على الأقل يحاولون الوصول بنتيجة التصويت 99% لصالح المشير، ولا تساعدهم بصيرتهم العمياء على رؤية حقيقة أن اكتساح السيسى يعنى صراحة إسقاط مشروعية 30 يونيو.
دعونا نتخيل الأمر لو لم يشارك «صباحى» فى الانتخابات الرئاسية. سيكون السيسى هو المرشح الوحيد للمقعد ليفوز به بالتزكية. هكذا قام الشعب بثورتين، وضحى بمئات الشهداء والمصابين، وزف الآباء أبناءهم إلى القبور، ورضى الشعب بنصيبه حين احترقت ممتلكاته وفقد أمنه وأمانه، من أجل أن ينتهى الأمر إلى رئيس يفوز بالتزكية. كيف تكون صورتنا أمام العالم: ثورة دى ولاّ انقلاب.
ودعونا نتخيل ماذا سيحدث لو فاز السيسى بنسبة تفوق الـ 90%؟ هل سنستطيع إقناع العالم بأنها لم تكن انتخابات مزورة؟ وهل سنستطيع محاسبة رئيس وضعناه على المقعد بتفويض لا انتخابات؟ دون أن نسأله عن برنامج عمل واضح، سوى برنامج المحبة. ستكون كارثة حقيقية، يندفع نحوها الشعب، تماماً مثلما اندفع نحو انتخاب الجماعة الإرهابية بعد ثورة 25 يناير.
ولكى أوضح الصورة، دعونا نستعيد ما حدث عندما كاد المناضل خالد محيى الدين يخسر الانتخابات البرلمانية فى دائرته كفر شكر، عام 1995، فتدخل نظام مبارك ليرجح كفته، لأنه رغم بلطجته وجبروته لم يكن غبياً ليسمح بسقوط الرجل الذى يمثل رمزاً للمعارضة المصرية، وفقد نظام مبارك كل شىء فى 2010 عندما ترك فاسديه يسقطون كل رموز المعارضة فى الانتخابات، فهل نسيت الدولة هذا الدرس؟
المنطق يقول إن حمدين صباحى أنقذ مصر وثورتها بترشحه، ولولاه لتحولت الانتخابات الرئاسية إلى مهزلة أو تمثيلية كما يروج خصوم مصر. وبصرف النظر عن أن حمدين رجل مشتاق إلى العرش ولا يملك شيئاً حقيقياً يقدمه لبلاده، فإنه يستحق الشكر، لأنه ارتضى أن يخوض معركة غير متكافئة فى مواجهة رجل كاد الشعب يقبّل قدميه لكى يتنازل ويترشح.
شكراً لحمدين صباحى لأنه أعاد الاعتبار لدم الشهداء من الشعب والجيش والشرطة الذين سقطوا منذ 30 يونيو، وأعاد الاعتبار لملايين البسطاء الذين خرجوا إلى الشوارع ووقفوا فى وجه الإرهاب، وأثبت للعالم أن المصريين لم يبذلوا الدماء ليبتعثوا فرعوناً جديداً، شكراً لحمدين صباحى لأنه لم يهتز أمام سخريتنا منه، وتمسك بحقه وحقنا فى اختيار رئيسنا مثل كل شعوب الأرض.
سيفوز السيسى، هذا أمر لا شك فيه، ومن لا يعجبه المرشحان ويسعى للمقاطعة عليه أن يدرك أن كل صوت غائب، سيكون فى مصلحة الإخوان ويمنحهم قوة عددية غير حقيقية، وفى تقديرى أن كل صوت يحصل عليه «صباحى» سيمنح السيسى مشروعية الرئاسة، وكأنها كانت انتخابات.