لم يضم دليل (منظمة الشفافية الدولية) 2010 عن الدول الأكثر فساداً اسم دولة واحدة تقوم على أسس ديمقراطية ناضجة.
ويرجع السبب الرئيسى فى ذلك، حسب الباحثين دومسكيتا وإليستر سميث، أن جزءاً من الإنفاق والدعم الحكومى يذهب إلى عدد قليل من الأعوان الأساسيين فى الدول الاستبدادية، بينما تستفيد جماهير عريضة منه فى الدول الديمقراطية.
ويعقدان فى كتابيهما عن الفساد سبيلاً للاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها، مقارنة بين إيران وتركيا. تتمتع إيران باحتياطيات نفطية كبيرة جداً، بينما لا تملك تركيا موارد طبيعية تذكر تمكّنها من الاستغناء عن عائدات الضرائب، وللدولتين تاريخ فى الحكم الاستبدادى. تمر تركيا الآن بمرحلة انتقالية باتجاه الحكم الديمقراطى الذى فى سبيله للنضج (رغم تجاوزات وفساد موثق)، فيما إيران دولة استبدادية رغم مظاهر ديمقراطية كإجراء الانتخابات، ولكن للمرشد الأعلى للثورة سلطة إلغاء القوانين التى يصدرها البرلمان المنتخب بل وإلغاء الانتخابات ذاتها، بينما سلطة رئيس تركيا فى الاعتراض على القوانين مقيدة.
بلغ عدد سكان إيران 73 مليوناً وفى تركيا 75 مليوناً عام 2010 وكان ترتيب إيران الثانية والثلاثين بين الدول الأكثر فساداً فى العالم، بينما كان ترتيب تركيا السادس والخمسين، الأمر الذى يضعها بين ثلث دول العالم الأكثر مقاومة للفساد. متوسط دخل الفرد فيها 13730 دولاراً، وفى إيران 4530 دولاراً، أى الثلث، رغم الثروة النفطية الهائلة، كما أن معدل الضرائب فى إيران أعلى من تركيا.. فى إيران هناك مجموعة تدير أموال كبار آيات الله، وقيادات الجيش الرئيسية معفاة من الضرائب تماماً ومحصنة من الاتهام بالفساد وتتحكم فى 25% من دخل إيران. وحسب البنك الدولى فإن دخل الحكومة التركية أقل من نظيرتها الإيرانية 22٫5% من الناتج المحلى و32% عام 2008، وكان دخل الأولى 138٫8 مليار دولار بينما دخل الإيرانية 105 مليارات دولار عن العام 2009، ويدفع الإيرانى 762 دولاراً عن دخله، وهى أكثر مما يدفعه التركى (680 دولاراً).
ويرجع الباحثان هذه المفارقة إلى افتراض أنه لو أنفقت حكومة إيران 25% من دخلها على المكافآت الخاصة لمناصريها الأقل عدداً فلن تحتاج تركيا سوى أن تنفق 19% من الدخل، وبذلك تنفق نفس المبلغ الذى تنفقه إيران لنفس الهدف (دعم المناصرين)، ويصلان إلى أن قيمة الأرباح الخاصة لملايين الأفراد المناصرين فى النظام الديمقراطى صغيرة، فيما تكون القيمة التى يتلقاها كل فرد فى الدول الاستبدادية كبيرة حتى لو كان مجموع ما ينفق متساوياً فى الحالتين؛ وذلك لقلة عدد أفراد الداعمين فى الدول الاستبدادية.
مثلا: لو كان ما تنفقه السلطة الإيرانية على الجوائز الخاصة هو 5 مليارات فقط، فسيكون نصيب عضو الائتلاف هو 50 ألف دولار، أى حوالى عشرة أمثال متوسط الدخل هناك، أما إذا أنفقت الحكومة التركية نفس المقدار على المكافآت الفردية فلن يتجاوز نصيب عضو الائتلاف الحاكم 250 دولاراً، أى أقل من 2% من متوسط دخل الفرد. وبالطبع ففى كلتا الحالتين سيحصل معظم أعضاء الائتلاف على مبلغ يقل كثيراً عن ذلك المتوسط وسيحصل القليلون منهم على مبلغ يزيد كثيرا عليه.
ولكنك لن تجد فى تركيا، رغم أنها لا تزال ديمقراطية فى طريقها للنضوج، من هو على استعداد لضرب المواطنين وقمعهم وقتلهم نظير الـ250 دولاراً، بينما فى إيران الفقيرة نسبياً يقوم عضو الائتلاف بذلك بسهولة تامة نظير 50 ألف دولار!