وجه ردىء ينتجه سياسيون ونشطاء لا يجيدون إلا التلاعب بمشاعر الجماهير وتوظيفها دون هوادة لمصالحهم السياسية والحزبية الضيقة، حتى إن تناقضت الأخيرة مع المصلحة الوطنية.
سياسيون يضعون أعينهم نصب انتخابات قادمة، ونشطاء يريدون توسيع مساحات نفوذهم وتأثيرهم على الشارع، وفى سبيل هذا وذاك هم على استعداد لتهييج الجماهير وإثارتهم بدفعهم بعيداً عن العقلانية والفعل الرشيد، بل ونفاقهم بتبرير العنف إن أرادوا عنفاً وكراهية الآخر إن تصاعد الطلب على الكراهية.
هؤلاء، ومن ورائهم أحزابهم وجماعاتهم وكياناتهم، يصبغون اليوم وجه الوطن بسياستهم الرديئة، تارة يختزلون الديمقراطية إلى صندوق انتخابات يخلطون به الدينى بالسياسى، وتارة يصنعون من رئيس منتخب قائداً يتعين على الجميع الاصطفاف خلفه وعدم الخروج عليه، وتارة يسيئون للإسلام وللأديان كافة ولنا جميعاً بتبريرهم للعنف اللفظى والمادى ضد الآخر (فى اللحظة الراهنة الغرب وحكوماته وسفاراته) على خلفية فيلم مسىء للرسول الكريم كان ينبغى التعامل معه بالبرهان والخطاب المستنير.
الوجه الآخر للسياسة غائب عنا، وغيابه عرض ومصدر لأزمة العقلانية فى مجتمعنا. فالوجه هذا ينتجه سياسيون يدركون أن مصلحة الوطن تستدعى فى الكثير من الأحيان مواجهة الجماهير ومشاعرها والابتعاد عن تملقها، بل ودعوتها للانفتاح على أفكار واختيارات رشيدة. سياسيون يمقتون العنف ويعشقون الحرية ويرون فى البرهان الوسيلة الأمضى للدفاع عن مقدساتنا ورموزنا.
سياسيون يهدفون نعم للفور فى الانتخابات والحصول على مساحات تأثير متزايدة، إلا أنهم لا يضحون فى سبيل هذا باستقامتهم الفكرية والإنسانية ويقاومون من ثم النزوع لنفاق الجماهير، حتى إن كان الثمن انتخابات لن تحسم لصالحهم أو تأثير سيتراجع أو ضرر شخصى يلحق بهم عبر حملات التشويه.
سياسيون قادرون على تحمل ضغط الجماهير دون تنازلات وإن ساوموا أحياناً، وعلى تسمية الأمور بمسمياتها بحيث يصبح قرض صندوق النقد الدولى ضرورة، وقتل ديبلوماسيين فى ليبيا إرهاباً وتسلق أسوار سفارات والاعتداء على موظفيها عنفاً.
هذه النوعية من السياسيين هى التى تبنى الأوطان وهى التى تعطى للسياسة أخلاقها بدفاعها عن المبادئ وبحرصها على المصلحة الوطنية. هم هؤلاء السياسيون الذين تحتاج إليهم مصر وغيرها من مجتمعات العرب اليوم، ولا تجد منهم إلا نفراً قليلاً، بينما تعج الساحة مناصب ومواقع وتأثيراً بمنتجى ومروجى سياسة رديئة تأتى على فرص وحظوظ أوطاننا المهددة فى التقدم والأنسنة.