أصدر المستشار الجليل عدلى منصور قراراً بقانون يفرض 5٪ ضريبة إضافية على من يزيد دخله السنوى على مليون جنيه.. وكنت أتمنى أن تنتهى مهمة هذا الرجل المحترم فى رئاسة الجمهورية دون أن يورط نفسه -ويورطنا معه- فى إصدار هذا القانون المعيب، الذى حرص بعض رجال الأعمال على تسويقه باعتباره أولى خطوات اتجاه الدولة إلى تطبيق مبدأ العدالة الاجتماعية.. وحرص بعضهم الآخر على «التظلم» من هذا القانون لأنه يضع مزيداً من الأعباء على المستثمر الجاد الذى تعرض لخسائر متتالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
والحقيقة التى أراها ساطعة هى أن رجال الأعمال هم الذين قدموا مذكرات وطلبات عديدة لحكومتى حازم الببلاوى وإبراهيم محلب، اقترحوا فيها على الدولة أن تفرض عليهم ضريبة إضافية على الدخل لمدة ثلاث سنوات فقط، مقدارها 5٪، مساهمة منهم فى تخفيف العبء عن الدولة ورفع قدر من المعاناة عن كاهل الطبقة المتوسطة والشرائح الفقيرة والمعدمة، وقد رفض الدكتور حازم الببلاوى -بشكل قاطع- هذه الاقتراحات لسببين أعتقد أنهما سيكونان محور ملاحقة هذا القانون أمام المحكمة الدستورية حتى يتم إسقاطه.
السبب الأول: أن هذا القانون ينطوى على محاولة استباقية خبيثة من رجال الأعمال للإفلات من دفع الضرائب العادلة المستحقَّة عليهم، عندما ينجح مجلس الشعب المنتخب فى وضع منظومة ضرائب عادلة وصارمة، تطبق المعايير العالمية المطبقة فى كل دول الاتحاد الأوروبى وفى الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول أمريكا اللاتينية واليابان، وهى معايير تصل إلى حد فرض ضرائب على الدخل تصل إلى أكثر من 50٪ فى معظم الدول الرأسمالية، وتسبقها ضرائب تصل إلى 17٪ على الشركات باعتبارها شخصية اعتبارية، كما يتم إلزام كل الشركات بدفع تأمينات اجتماعية للعمال والموظفين تصل فى أقل مستوياتها إلى 45٪ من الراتب الإجمالى.
السبب الثانى الذى يؤكد مخالفة هذا القانون لأبسط المبادئ الدستورية: أنه أعطى لرجال الأعمال الممولين لنسبة الـ5٪ الحق فى تحديد أوجه إنفاق حصيلة هذه الضريبة، وهو أمر غير مسبوق فى أى منظومة ضرائب فى أى مكان بالعالم؛ لأنه ينطوى على خطيئة فاضحة تتمثل فى تنازل الدولة عن قرار «سيادى» لحفنة من رجال الأعمال، لن تسمح أبداً بتوجيه حصيلة الضريبة إلى استثمارات جديدة تنافس احتكاراتهم التى امتصت عرق ودماء هذا الشعب، وليس مصادفة أبداً أن تنص كل المواد الخاصة بالضرائب فى كل الدساتير التى عرفتها مصر، ومن بينها دستور 2014 الجديد، على وصف كل أنواع الرسوم والجباية بأنها متحصلات سيادية (انظر المادة 38 من دستور 2014).
ربما يقول قائل: أليس جيداً أن يبادر رجال الأعمال من تلقاء أنفسهم بدفع 5٪ ضرائب إضافية بدلاً من استمرارهم فى التهرب من دفع حق المجتمع فى أموالهم؟ والإجابة: إن هذه المبادرة التى استجابت لها الدولة -فى اللحظة الأخيرة من ولاية المستشار عدلى منصور- هى فى الحقيقة طوق نجاة للرأسمالية المصرية المتوحشة، مكّنتهم من الإفلات من دفع الضرائب العادلة المستحقة على نشاطهم الاحتكارى وأرباحهم الريعية، وحصنتهم من المحاسبة المجتمعية الصارمة، وهم الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً عندما طالبتهم وزارة المالية فى شهر أبريل عام 2011 بوضع حد أدنى للأجور فى شركاتهم ومصانعهم لا يقل عن 700 جنيه، وآنذاك اشترطوا على الدولة تخفيض نسبة التأمين الاجتماعى على العامل أو الموظف من 40٪ إلى 15٪ فقط، وتخفيض ضريبة الأرباح الاستثمارية والضريبة على الدخل.
والسؤال الآن: لماذا فعلها المستشار عدلى منصور الآن؟ أعتقد أن الدولة تراجعت خطوة فى معركتها مع عصابات المال والأعمال المنظمة التى دفعت البورصة إلى الانهيار، ومنعت العمال والموظفين من الإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عقاباً للدولة على فرض ضرائب على أرباح المضاربة فى البورصة، ولعل فى الاستجابة لمبادرة ضريبة الـ5٪ التى تصب لصالح رجال الأعمال فقط، مجرد مناورة فى معركة طويلة نتمنى أن تكسبها الدولة والمجتمع كله فى القريب العاجل.