الثلث الأخير من الليل، أكثره قلقاً، وحرجاً، وورعاً، وشططاً، فيه ينهض الذاكرون العابدون، للصلاة، يتحسسون طريقهم إلى ربهم فى وضوء يناجون الله فى خطاهم إلى المساجد، يحطون بواحدة خطيئة، ويرفعون بالأخرى درجة. يتباهون حين يُسِمعون نجواهم وذكرهم إلى عباده، وأقرب لحظة بين العابد والمعبود هى لحظة قيام العبد ونوم باقى العباد.
وفى الثلث الأخير يتسلل العاصون فى شطط، والمذنبون الحائرون، وأصحاب البلايا كلٌ يدور حائراً بين معصية يرتكبها فى ندم أو يرتكبها فى استكبار، يتلصصون فى كل خطوة إلى شيطانهم، يحبسون الأنفاس ويُخفون عن الناس القرب منه. وأقرب لحظة للمذنب بينه وبين شيطانه لحظة قيامه والعباد نيام. وبين العابدين والذاكرين، والعاصين تدور الحياة بين خير مع الله مُعلن، وشر مع الشيطان مستور.
والثلث الأخير من السفر، يبعث على الملل والضجر، ويتسرب الوجع والوهن إلى الجسد المنهك من وعثاء السفر وغربة الطريق، فإذا ما استسلم الجسد المرهق للراحة، وأغفى عن الطريق، وتكاسل ضاع وهلك ومن معه، وخرج من مساره إلى صدام أو «انقلاب».
والثلث الأخير من الحياة، تزداد أوجاعه وهمومه، وتتسرب الأسقام إلى العافية فلا تتعافى، ويحاصر الإنسان هموم البعد والفراق، فلا يعود المريض سليماً، ولا يعود المسافر إلى موطنه، وتتوه راحة البال بين أنين المرض وفرقة الأحباب والصحاب والرفاق.
والطريق لا يكتمل إلا بنهايته، والطعام لا يكتمل إلا بنضجه، والعافية لا تكتمل إلا بتمام الشفاء، وأنصاف الحلول ليست حلاً، اللهم إلا فى نصف شبع فهو لا يُغنى من جوع، ولا تكتمل القصة إلا بنهايتها وإلا وضع القارئ نهايتها حسب خياله، والمريض يجوب بالأحباب مباخر المشعوذين والدجالين إذا شُفى نصف شفاء.
وطريقنا لم يكتمل، ومريضنا يتشافى ويتعافى ولم يبرأ، وخريف عمرنا ما زال لأوراقه وظلها ما يُستظل ببعضه، وطعامنا لم ينضج بعد، والرحله توشك على البلوغ لتُلقى من غاب وتودع من يرحل.
المجلس النيابى، هو الثلث الأخير من مشوار لم يكتمل، واكتماله صدقك وأمانتك وشرفك فلا تُفرط فيه، واجعل اختيارك شريفاً نزيهاً، فإذا فرطت فيه، وعجزت يوماً عن العلاج، أو زواج الولد أو ستر الابنة، فارجع البصر قليلاً ستجد أنها بذرتك التى بذرتها فلم تحسن رعايتها، وإذا ذبلت فهى سُقياك الذى أهملته فجدبت من عطش، أنت الزارع والحاصد، أنت الشفاء والمرض، أنت الساعى إلى ربك فجراً لصلاة وإلى الشيطان لفضيحة، أنت الطاهى والجائع وأنت آكله، أنت المريض والطبيب ومصيرك من دوائك.
فلا يُزين لك رجل الدين القيام ليلاً ويتحسس طريقه إلى آخر، أو يجعل دواءك خرافة دون طبيب، أو ينسج قصتك من أوهامه وخرافاته، أو يثنيك عن عمل الدنيا بأجر الآخرة، فالقرار أمانة ودراسة وليس استخارة، ولقمة العيش بالجد وليست بالدعاء، والمريض لن يبرأ إلا بطبيب وليس بالرقية الشرعية، والعلم فى معاهد العالم مسلماً أو غير، والمجلس النيابى لن يراقب ويشرع سوى بالأكفاء والأمناء الشرفاء.
فلا يغشنك طول اللحى أو زبيبة صلاة أو قصر جلباب فهى له وليست لك، أما اجتهاد النائب وشرفة وإخلاصه ونزاهته فى البرلمان فهى لك، القلم فى يدك سرُ من أسرار الله، ولغة يُقرها المولى، والصندوق كاتم أسرارك، والورقة لا تحمل اسماً أو عنواناً، وقسمك للمزيفين والنصابين ليس عهداً فإذا استحلوا التقية لهم.. استحلها لنفسك، وعلامة اختيارك ليست توقيعاً، اتق الله فى أولادك ووطنك وكن صادقاً فى اختيارك.